Monday, June 27, 2022

Josquin

جوسكان دو بري


رغم أنه كان أكثر الموسيقيين إثارة للإعجاب في عصره، لا نعرف الكثير عن حياة جوسكان دو بري. ولد في عام 1440 في بورجاندي، على الأرجح كان يغني ويقود جوقة الكنيسة في شبابه، من ضمنها كنيسة سانت كوينتن وفي ترقب مهنته العالمية، كاتدرائية ميلان في إيطاليا. قد يكون قد جرس مع المغني الفلمنكي يوهانس أوكجم، الذي استوعب جوسكان أسلوبه الروحاني القوي وإجادة استخدام الأدوات البوليفونية.


نعلم عن مشوار جوسكان الفني خلال الإشارات لوجوده في محاكم الدوق في ميلان وفيرارا، إبرشية السيستين في روما، في بلاط الملك لويس الثاني عشر. أنهى حياته في العمل في كنيسة كوندي وتوفى في عام 1521، الأعمال الباقية تشمل 18 قداس و100 موتيت و70 أغنية علمانية. حين نشر أوتافيانو دي بتروتشي، مخترع طباعة الموسيقى، طبعاته الرائدة في أوائل 1500 (القرن السادس عشر) أصدر ثلاثة أضعاف أعمال جوسكان أكثر من أي مؤلف آخر.


على عكس دوفاي، أساليب جوسكان تنفصل بقوة عبر الخط الديني/الدنيوي. بوليفونيته الدينية تملك صوت العالم الآخر الذي يمثل تقليد هولندا؛ فهو يتكون أساسا من أربعة أجزاء، كلها مشابهة في الصوت ومتساوية في الاهتمام الميلودي. فوق كل شيء جوسكان من أسس مبدأ المحاكاة المستمرة؛ الأصوات تستجمع بانتظام الدوافع اللحنية من بعضها البعض. كان معجبا بشكل خاص بالاتباع؛ في كل موسيقاه، يوجد اتباع مستمر في مكان ما أكثر من غيره. كما واصل تقليديين آخرين هما: الاقتباس من الأغاني الشعبية والألحان الأخرى مثل الكانتوس فيرموس لأعماله الدينية، واستخدام الأدوات الرمزية. على سبيل المثال، في قداسه "هرقل في فيرارا" المهدي إلى الدوق هرقل، دوق فيرارا، استخدم كلحن ثابت لحن اعتمد على الحروف المتحركة من اسم الدوق، التي ارتبطت بالأسماء القديمة للألحان المترجمة إلى ث ت ث ت ح ج ث. نسمع هذا اللحن يتحرك في نغمات أبطأ (مثلما يفعل اللحن عادة) في بداية القداس المكونة من الصوتين.

 

 من ضمن قداسات جوسكان، الأشهر اثنتان استخدما لحن "الفارس المدرع"، بعض من الأعمال الكثيرة اعتمد على هذا اللحن الدنيوي ولحن غنائي مثل اللحن الثابت. لم يكن جوسكان عاديا في كتابة المزيد من أعمال الموتيت أكثر من القداسات، ربما بسبب أن الأعمال الدينية أقصر منحته مساحة أكبر للتجربة. وللتعرف على أعمال الموتيت يمكن الاستماع إلى عمل "التسلسل الذهبي" بتناول المحلق للضوء الروحاني وموتيت "أبسالوم ابني" بخاتمتها التي تبدو وكأنها تهبط للقبر.

موسيقاه الدنيوية الأخرى أمر آخر فهي دنيوية ولا تقاوم النصوص تتراوح من الأغاني الغرامية الرقيقة إلى التفاهة إلى الكلمات الفاحشة. كانت أغانيه أكثر تنغيما من موسيقاه الدينية، مع المزيد من التأكيد على الخط العلوي. ومع ذلك يضفي عليهم كل عبقرية الفن الكونترابنطي، غالبا على  لحن متراقص له ظل اتباع يليه. ثمة حس إيقاعي حيوي ايضا، تقريبا موسيقى الجاز في إيقاعاتها الراقصة. (التوزيع في عصر النهضة كان مؤقتا في الغالب، وكانت الكثير من الأجزاء مصممة لعزفها فقط أو غنائها، والآلات غالبا ما ضاعفات الأصوات في كل من الموسيقى الدينية والدنيوية).

 

"سكاريميلا" مثال رئيسي على أغانيه الدنيوية هنا الكلمات حجة للموسيقى ببساطة "سكارموني" يذهب للحرب/معه الحرية والدرع، ثم الكثير من رم تم تم. في "فتاة من الباسك"، يلتقي المغني مع فتاة من الباسك تكرر عبارة غير مفهومة في لغتها، لكنها ساحرة رغم ذلك، "تأخرنا في هذا الصباح أنا وفتاتي وحين ودعتها قلت "أنا نادم على تركك وترك وجهك الجميل" من ضمن أكثر الأغاني الساحرة أغنية "فرقع لوز" حيث تحاكي أصواته.

 

في  حين كانت أغنياته الدنيوية معدية، موسيقى جوسكان دو بري الدينية ربما من ذوق مكتسب للمستمعين الجدد المعتادين على تناقض أكبر من الألوان. مع ذلك بالنسسبة للمستمع الصور والصوت الهادئي للموسيقى الكنسية وموسيقى المؤلفين اللاحقين مثل لاسو وبالسترينا - يمكن أن يكشف عن الثراء الأعلى  لرفعته. يعد تقليد الكنيسة الهولندية الذي لخصه جوسكان واحدًا من أنقى وأكثر روحانية من الموسيقى الدينية  - إذا صعدت للسماء في الجنة وبدا الكورس هكذا، سيبدو مناسبًا بحق.




 

Monday, June 6, 2022

عصر النهضة

 عصر النهضة (1430-1600)


تعيش الموسيقى في العالم وسط روح العصر. عصر النهضة – حيث ازدهار التعليم والعلوم والفنون التي حولت أوروبا عقب منتصف القرن الخامس عشر، كانت أول دليل على الروح الحديثة وعلى الموسيقى والفن اللذين يبدوان مألوفين لنا اليوم. ومع ذلك في الموسيقى مثلما في كل شيء آخر، الفترات التاريخية لا تتواجد كحدود حادة في التدفق الفوضوي للأحداث. بين ماشو، الذي جسد عالم القرون الوسطى وشخصية جوسكان دو بري في عصر النهضة، جاءت مرحلة انتقالية تضمنت مؤلفي مدرسة بورجاندي الذين عملوا لصالح دوقات بورجاندي المحبين للفن في وحول بروكسل في القرن الخامس عشر.

جويام دوفاي

المؤلف البورجاندي الرائد كان جويام دوفاي. ولد نحو 1400 في منطقة كامبري. كان مشواره الفني كمؤلف موسيقي وخبير في القانون الكنسي أخذه إلى مناصب في الكنيسة والبلاط في كل أنحاء أوروبا، بما في ذلك العديد من السنوات في الإبرشية البابوية في روما. كتب دوفاي قدرا كبيرا من الموسيقى الدينية – أساسا القداسات والأعمال الدينية الأقصر المعروفة باسم "الموتيت" – والموسيقى الدنيوية، أساسا الأغاني الفرنسية البوليفونية. وما يميز موسيقى دوفاي ومعاصريه من بورجاندي، على النقيض من أسلفاهم عذوبة الصوت: فموسيقى دوفاي تبدو عالقة في الهواء مثل النسيج المدوي. أسلوبه كما هو سواء ديني أو دنيوي: أبسط من أسلوب الماضي عادة من ثلاثة أصوات بدلا من أربعة، مع التأكيد على الخط الغنائي العلوي الذي يكون له شكل أدق من الخطوط الهائمة لماشو. الهارموني في موسيقى دوفاي يحمل طابعًا قديمًا بالنسبة للمستمعين في العصر الحديث، فهو يستخدم السلالم الكنسية القديمة مع المقامية المتهمة، لكن الصوت الذي تصدره موسيقاه تبدو أكثر امتلاءً وثراء من موسيقى العصور الوسطى. مدرسة بورجاندي في أوائل القرن الخامس عشر والمدرسة الفلمنكية لاحقًا في القرن – يعرفان معًا باسم المدرسة الهولندية – أيضًا رسخت الأسلوب الصوتي الديني الذي ساد خلال عصر النهضة: البوليفونية المزدهرة في الغالب من أربعة أصوات متساوية.

مثال على موسيقى دوفاي الدينية في أجمل صورها القداس المعروف باسم "الرجل المسلح" ينبع العنوان من تقنية الوقت الذي تمت فيه كتابة القداس بالكامل حو لحن مقتبس يطلق عليه اسم "اللحن الثابت"، لكنه مدفون في النسيج البوليفوني. لم تكن هذه الفكرة جديدة؛ لكن حين استخدمت من قبل مؤلفو العصور الوسطى عادة الترتيل الجريجوري الأغاني الثابتة، مؤلفي المدرسة الهولندية في عصر دوفاي وبعده أحبوا استخدام الألحان المعروفة. بالإضافة إلى وظيفتها في توحيد المقطوعة كلها، الأغنية الشائعة وسط عمل ديني كانت نكتة للمهتمين، ممتعة بشكل خاص حين كانت الدعابة سريعة نوعا ما – أي إهداء موتيت للعذراء مع غنية من لحن غرامي مثل "سيدتي" في نهاية الأمر اعترضت الكنيسة على هذا النمط لكن ليس حين الإصلاح ا لمضاد في القرن ال16 رغم أننا لا نعمل الكثير عن الأغنية "الرجل المسلح" التي تخبرنا بأن "نحاف"، يبدو أنها واحدة من الأغنيات الناجحة في هذا العصر،ن توجد قداسات كثيرة على لحن "الرجل المسلح" كتبها مؤلفون من دوفاي إلى بالسترينا.


بالإضافة إلى موسيقاه الدينية، أغاني دوفاي الدنيوية تم تسجيلها في العقود الحديثة غالبا بالإضافة لموسيقى زميله جيل بنشوا. في هذه الموسيقى يستمع الشخص إلى انعكاس لصفة الشباب، الذي تم الاحتفاء بها في حياة القصور في عصره، وهي مزيج من البهجة والصراحة والمغازلة الأنيقة والحكمة. بعض التسجيلات قام بها المتخصصون الذين في الموسيقى المبكرة الذين يعتبر غنائهم متطورًا مثل المنحة الدراسية ضمن أجمل موسيقى في عصرنا.


بالتأكيد روح القرن الخامس عشر كانت دنيوية أكثر من العصور السابقة. مناخ الفنانين في عصر دوفاي ملحوظا في حفل أسطوري حضره هو وجيل بنشوا في فبراير 1454. الراعي وهو دوق بورجاندي فيليب الطيب، ابتكر "حفل الفلاحين" لحشد الحماس للحملة العسكرية لاستعادة القسطنطينية من الأتراك. ملحوظ في يوم ما من وسائل الترفيه الغريبة كانت مجموعة تضم 28 موسيقي يعزفون الآلات المختلفة؛ عازفين ترومبيت يعزفون على حصان يسير بالعكس، فتاة تغني أغنية بنشوا وهي تمشي على الحبل؛ فيل تركبه امرأة تلبس ثيابًا بيضاء، ترمز للكنيسة، فتاة عارية ملتفة حول عمود ويحرسها أسد، يرمز لشيء أو آخر وأخيرا عرض كبير لموتيت كتبه دوفاي احتفالًا بالمناسبة.


مع ذلك بالنسبة لكل المبالغة الدنيوية التي ميزت ذلك العصر، يوجد نقاء به سكينة في كل الموسيقى الدينية. في عام 1436 كتب دوفاي موتيت للاحتفال بدومو في فلورنسا. بالنسبة لهذا العمل، الذي يقابل تركيبه بعدة طرق نسب القبة الهائلة لبروديلسي كتب شاهد رواية تصف الموسيقى الدينية الهولندية التي ميزت القرنين 15 و16.


"عند ارتفاع الجانب الأكثر دينا امتلأت مساحة المعبد بكوراس هارموني، وهذه الفرقة من الآلات المتنوعة التي بدت كما كانت السيمفونيات وأغاني الملائكة وجنة الرب أرسلت مباشرة من السماء لتهمس في آذاننا بعذوبة سماوية لا تصدق. وفي هذه اللوحة شعرت بالنشوة حيث بدا أنني أتمتع بحياة الجنة هنا على الأرض”.


كانت أواخر عصر النهضة قمة التطورات الفكرية والعلمية الفنية التي بدأت في الظهور بعد عام 1450، كلها تسهم في روح الاكتشاف الزائدة التي صارت أكثر من جمع لأجزائها. ضمن التطورات كان اختراع الطباعة، التي نشرت المعرفة بمعدل غير مسبوق؛ اختراع البارود، الذي مثل نهاية عصر الفرسان المدرعين والمدن المسورة ومعها العصر الإقطاعي وإعادة اكتشاف الواقعية في الفنون البصرية وتطور البوصلة، التي جعلت من الممكن القيام برحلات استكشافية جديدة. الأهم إعادة اكتشاف الكتاب وفلاسفة اليونان والرومان القديمة – أرسطو وأفلاطون وهومر وفرجيل – أشعلت إعادة إحياء التعلم والفضول والتحري.


بالطبع كلمة نهضة تعني "إعادة الإحياء" وما أعيد مولده في ذلك العصر هو الحركة الهيومانية: الشعور أنه ليست الحياة الآخرة لكن الحياة الدنيا هنا والآن هي محل اهتمام البشر وأنه خلال المنطق والتحري يمكننا اكتشاف أمور كانت معروفة سابقا فقط للآلهة. وصف الشكل الفعلي للكون، أزال كوبرنيكس الأرض من منتصف الكون وجعل البشرية تبحر في الفضاء الفسيح. الفهم الجديد للكلاسيكية وعلم المنظور في الرسم جعل من الممكن وضع شخصيات مقنعة في وهم الفضاء المقنع. في عمله الذي نشر في عام 1477 “كتاب حول فن الكونترابنط"، أعلن يوهانس تنكتوريس أن فقط موسيقى الأربعين سنة السابقة تستحق الاستماع إليها. المؤرخ والرسام حيورجيو فيساري شعر بنفس الشيء تجاه الفنون البصرية مايكل أنجلو، المفضل لدى فيساري تصور الجسم الإنساني كتجسيد ملموس للروح الإلهية.

 

ليوناردو دافنشي طبق الفضول الذي لا يمكن إشباعه ع لى كل جانب من الرسم و العقل و الجسم و الطبيعة والميكانيكا. مارتن لوثر حطم الاحتكار الروحاني للكنيسة الكاثوليكية وبدأ الإصلاح البروتستانتي بهدف المسئولية الفردية تجاه الله. شكسبير فحص مشاعر البشرية بحكمة خالدة لا ترتبط بزمن أو عصر معين وكتب شعر لا يضاهى. في كل مكان يوجد شعور مبهج باكتشاف الأعاجيب و الروائع التي لا يمكن تصورها ستحدث في المستقبل.


من الهيومانية في عصر النهضة تدفق العالم ا لحديث والوعي الحديث: العلم والتعلم و الفلسفة و الطب والكالديسكوب المعاد إحيائه. ومرآة الفنون من المجتمع المتوقف نسبيا والمجتمع الذي تسوده الكنيسة للعصور الوسطى ظهرة حضارة باحثة ديناميكية دنيوية علمانية سادت في الغرب حتى يومنا هذا، حضارة مليئة بالأعاجيب الجديدة حقا والفظاع الجديدة والقديمة المختلطة دون إمكانية فصلها. الموسيقى في عصر النهضة المتأخر شهدت العصر الذهبي للبوليفونية. في أوج هذا الفن ومدرسة هولندا برز المؤلف الفنلدني جوسكان دو بري، الذي أطلق عليه لقب أمير الموسيقى.