Saturday, November 1, 2014

Dufay


كان دوفاي المؤلف الموسيقي البارز الفرانكو فلامنكي من القرن الخامس عشر. ولد قرب كامبري في شمالي فرنسا، بدأ مشواره الموسيقي كمطرب في الجوقة في كاتدرائية المدينة. هناك لاحظ الاسقف مواهبه الموسيقية فشجع تطورها. قضى جزءا كبيرا من سنوات نضجه يعيش ويسافر في أوروبا بما في ذلك فترة ما بين 1428 و1436 كمطرب في الجوقة البابوية في روما. أصبح دوفاي المؤلف البارز لبلاط بورجاندي الهام ثقافيا وامتد رعاته إلى أعلى مستويات الكنيسة والدولة، بما في ذلك البلاطات القوية لفرنسا وهولندا وإيطاليا.

لذا كان تطور دوفاي كان عرضة لعدة مؤثرات تطور أسلوبه الموسيقي من تركيب التقاليد الفرنسية في أواخر العصور الوسطى مثل "آرس نوفا" وأساليب أوائل عصور النهضة التي استوعبها من أسفاره في إيطاليا. عنصر آخر مشتق من تأثير جون دانستابل الإنجليزي الذي كان حاضرا مع دوفاي في بورجاندي. أكد دانستابل على صوت معبر طبيعي أكثر في البوليفونية، هذا التناول الجديد تصادف مع ميول الإنسانية وعصر النهضة تجاه اكتشاف العواطف الشخصية.

في الأساس الحظ الجيد لدوفاي كان في المكان المناسب في الوقت المناسب وامتلاك الموهبة للاستفادة من الموقف، وضعه في بلاط بورجاندي سمح له باستخدام أفضل المطربين والعازفين المتوفرين. دون أن يكون مبتكر بشكل خاص كانت أعماله متقدمة فنيا ولحنيا بشكل ملحوظ. كتب الكثير من أعماله لأسر النبلاء في أوبورا الذي قام بتكليفات منهم وهذه الأعمال غالبا خلدت ذكرى أحداث عامة أو اجتماعية أو صاحبت مناسبات دينية.

Rameau

حقق رامو الشهرة كمؤلف نسبيا في فترة متأخرة من مشواره الفني. ففي عام 1733 حين كان عمره خمسين عاما، حققت أول أوبرا له "هيبوليت وأريسي" عاصفة من الجدال لأنها تجرأت على تحدي نموذج الأوبرا الفرنسية الذي رسخه لولي قبل ذلك بنحو خمسين عاما. في الواقع ادعى رامو أنه تابع لولي لكن موسيقاه أكثر ديناميكية ومغامرة هارمونيا وهي صفات عاب عليها النقاد بأنها مجبرة وغير طبيعية. غاب النجاح طويلا جزئيا لانه قضى أول 40 سنة من حياته في غموض بسبب الإقليم الذي عاش فيه وجزئيا لأنه حقق شهرة كصاحب نظرية موسيقية وهي مهنة تعتبر غير متوافقة مع العمل الفعلي للتأليف، رغم أن رامو نفسه قدرها باحترام. ورغم خلفيته الاكاديمية لا تبدو موسيقاه مثقفة بشكل خاص – لكنها بدلا من ذلك تتميز بالسحر وأناقة موسيقى كوبران، لكنها مع طابع أكثر لذاعة وحيوية.

ولد رامو في ديجون، كان الابن السابع من 11 طفل. كان والده -الذي علمه الموسيقى – عازف أرغن في كاتدرائية نوتردام في ديجون وهي وظيفة خلفه فيها جان فيليب عام 1709. قضى أوائل مشواره الفني أساسا كعازف أرغن في سلسلة كاتدرائيات فرنسية بما في ذلك كليرمونت فيراند حيث نشر عام 1722 بحث عن الهارموني حيث فحص أصول الهارموني وعلاقات التآلفات.

العام التالي غادر إيطاليا لكن حقق نجاحا متواضعا في كتابة أعمال مسرحية خفيفة وعمل تدريس الهاربسكورد قبل أن يهتم به أحد أكبر الرعاة الفنيين في المدينة وهو الممول لا ريتش دولا بوبلنيير الذي كان أحد أكثر الرجال ثراءا في فرنسا، كان ينفق الكثير على الفن. ضمن منازله العديدة قلعة فب باسي قرب باريس حيث كان لديه إبرشية خاصة حافظ على أوركسترا من 14 عازف وقدم حفلات منتظمة ومهرجانات موسيقية. رامو كان مديره الموسيقى من 1731 حتى 1753، وكان لا بوبلنيير الذي قدم العقود والمال التي بدأ بها مشواره الفني الأوبرالي الذي ازدهر في فترة متأخرة من حياته. خلال عدة عقود انعكست مكانة رامو كمبتكر راديكالي وكان يمثل كل شيء جيد عن التقليد الأوبرالي الفرنسي في معركة تلت عرض السيدة الخادمة لبيرجوليزي عام 1752.

Thursday, October 30, 2014

bizet

 مثل الكثير من مؤلفي الأوبرا في القرن التاسع عشر، نال بيزيه الخلود خلال عمل واحد وهو كارمن. أكمل الفصل الرابع والأخير عام 1874 بعد عام مات. حشد بيزيه الكثير في حياته القصيرة. قبل بلوغه التاسعة التحق بكونسرفتوار باريس وخلال شهور فاز بكل جائزة كبرى للبيانو والأرغن والتأليف – عام 1857 في سن 19 نال جائزة روما التي وضعته على مسار منتظم للأمن والشهرة. مثال على قدراته في هذا الوقت يمكن إيجادها في عمله سيمفونية في مقام دو الكبير وهو عمل مذهل يعكس أثر جونو الذي صادقه بيزيه عام 1856.

أول أوبرا هامة له جامعو اللآلئ أنتجها في الأوبرا كوميك عام 1863. كتبها باستخدام ليبريتو رهيب اعترف مؤلفوه لاحقا انه لو كانوا مدركين لمواهب بيزيه لما كانوا كتبوه بمثل هذا النص الردئ. مع ذلك أعب الجمهور بالموسيقى الحسية والميلودية لبيزيه وأصبح "صيادو اللآلئ" أحد الأعمال القليلة لبيزيه التي حققت نجاحا فوريا رغم أن استمرار بقاءه كان أساسا بسبب دويتو جميل للتنيور والباريتون. واصل في كتابة عدد من الأوبرات الكوميدية والدرامية الكثير منها تركه دون إكمال ولم يقترح أي شيء ملحوظ أكثر من الاحتراف. ثم عام 1872 بدأ بيزيه يهتم بالرواية القصيرة. كارمن لبرسبر ميريميه مع ذلك الأوبرا كوميك كانت بعيدة عن متحمسة لم يريد الوفاة على خشبة المسرح ولم يهتم أي منهما بمشروع سيطر عليه اللصوص والغجر وصناع السجائر. رغم هذا القلق ألزم المدير نفسه أخيرا لإنتاج اعمل وفي 3 مارس 1875 قدمت كارمن عرضها الأول.

وصف بيزيه النتيجة بأنها "هفوة محددة وبلا أمل" وهي مبالغة منه وعرضة للمرض النفسي ولازم الفراش. أربع ساعات بعد إسدال الستار في العرض ال33 مات بيزيه من إصابته بالأزمة القلبية للمرة الثانية.

أعماله

كارمن
كارمن هي أول أوبرا فرنسية "واقعية"، حيث تمزج بين الحوار الشفوي، واللون المحلي المكثف والدراما المأساوية المحاكة جيدا تتطور إلى رائعة مذهلة. سرعان ما جذبت المديح من دوائر مؤثرة: كتب عنها فاجنر: “هنا بفضل الله يملك شخص أفكارا في رأسه"، كل من برامز وتشايكوفسكي أعجبا بها، ونيتشه استخدم هذه الأوبرا كعصا ليطرق بها فاجنر. مع ذلك الشخصيات الحارة لكل من كارمن ومحبيها المتنافسين دون خوزيه ومصارع الثيران إسميلو أخجلوا الجماهير الأولى، مثل النهاية المأساوية حيث يقتل دون خوزيه البطلة.

استحضار بيزيه للمواقع الأسبانية للأوبرا يعرض قدراته المذهلة كموزع أوركسترالي، في حين تعد كارمن دون جدل أنجح دور ميتزو سوبرانو في كل الأوبرات. شخصيتها الجذابة اللعوب تعبر عنها خلال موسيقى تتميز بالحسية المرئية. الهابانيرا الافتتاحية مغرية بشكل خاص ويصعب تصور كيف هاجم النقاد "كارمن" لكونها غير منغمة. وتقدم الأوبرا بعض أكثر النغمات الخالدة أكثر من أي اوبرا فرنسية أخرى باستثاء فاوست لجونو – وهي الأوبرا الفرنسية الوحيدة بنفس شعبية كارمن.
 
السيمفونية في مقام دو الكبير
التدوين الأوركسترالي الأبرع لبيزيه، كتب عمل سيمفونية في مقام دو الكبير عام 1855 حين وصل مؤخرا لسن 17 – رغم أن عرضها لم يكن حتى عام 1935 بعد اكتشافها قبل ذلك بعامين في أرشيفات كونسرفتوار باريس لدي سي باركر كاتب سيرة بيزيه. مثل نموذجها "سيمفونية رقم 1” لجونو، لم يدعي عمل بيزيه الأصالة لكنه مقطوعة جديدة شيء يشبه نسخة فرنسية لشوبرت في كتابتها اللحنية الجميلة رغم عدم معرفة بيزيه بأعمال شوبرت واسعة النطاق، ومدون بشفافية رائعة. مثل موسيقى مندلسون الأولى هذا أكثر من مجرد عمل لفنان مبتدئ.
 
متتاليات أرلزيان أرقام 1 و2
عام 1872 كتب بيزيه موسيقى تصويرية لمسرحية أرلزيان لألفونس دوديه وهي مأساة كتبها في بروفنس البلد الأم للمؤلف عن رجل يقتل نفسه بسبب حبه من طرف واحد لفتاة من أرلز. الموسيقى الحساسة لبيزيه لم تضمن نجاح المسرحية وأغلقت بعد عدة أسابيع. بدلا من إهدار الموسيقى، أخذ بيزيه أربعة من المقطوعات وحولها إلى متتالية حفلات اتضح شعبيتها الشديدة، وبعد وفاته بوقت قصير، قدم صديقه إرنست جيرو متتالية ثانية، مرة أخرى من أربع مقطوعات تضمنت منويت دار حول دويتو من أوبرا بيزيه "الفتاة الجميلة من بيرث". كلاهما يعرض بتكرار ويضم ثراء من الموسيقى اللامعة والمبتكرة: مبهجة بشكل خاص مقدمة من "متتالية رقم 1” حيث يليها مجموعة من التنويعات حول ميلودي يليه صولو رثائي للساكسفون الذي كان جديدا وقتها.

Tuesday, October 28, 2014

Machaut

ماشو

على الأرجح ولد ماشو في ريمز كان المستخدم الرائد لحركة الفن الجديد (آرس نوفا) التي ازدهرت في فرنسا أثناء القرن الرابع عشر. عام 1323 انضم إلى الأسرة الملكية لجون من لوكسبرج ملك بوهميا، وعمل محاسبا لنحو 20 سنة الذي لاقى احتراما كبيرا كشاعر إضافة إلى كونه مؤلف. سافر مع أفراد البلاط لكن قضى وقته بتزايد في التأليف بدلا من الإدارة. اول عمل مؤكد له كان موتيت كتبه عام 1324 لانتخاب كبير أساقفة ريمز. خلال جهود الملك جون، منح ماشو مزايا عددية، لا سيما العمل في الكاتدرائية القوطية الجديدة في ريمز، منح له عام 1337. أقام هناك عام 1340 حيث ترك عمله السابق مع الملك رغم بقاءه في الخدمة لحين وفا الملك في معركة كريشي عام 1346

كان ماشو واحد من أوائل المستخدمين المعروفين للإيقاع وكان في مقدمة التجربة في كل من موسيقاه الدينية. عمله  Hoquetus David واحد من أوائل المقطوعات للموسيقى الآلية البحتة في العصور الغربية الحديثة. إضافة لذلك كتب أعمال للأصوات في مجال صوتي أوسع مما كان ممكنا من قبل. في الإجمال كتب أكثر من 140 عمل (أساسا بوليفونية)، رغم أن أقل من 24 موجودة خارج مجموعاته، مما يقترح أنه كان يحمي أعماله بشدة. بعد اندلاع الموت الأسود في فرنسا في نهاية 1340، أعد ماشو مجموعات واضحة من أعماله لرعاته، الذين تضمنوا جان ودوك دي بيري وملك فرنسا المستقبلي تشارلز الخامس. هذه النسخ من المسودات الفريدة والمضيئة على نحو شديد الجمال تجمع الموتيت والبالاد والكثير من الأشكال الأخرى مع اختيار واسع من شعره.
قداس نوتردام لماشو هو أشهر عمل في كل العصور. كتب المكونات الأساسية للقداس (الكرياليسون والجلوريا والكريدو والسانكتوس والأنجوس دي) بوليفونيا بدلا منه في الترتيل البسيط. هذا أيضا واحد من أوائل القداسات التي كتبها مؤلف واحد ككل (في السابق كانت مختلف مكونات القداس كان مجمع من مختلف المؤلفين). هذا إضافة إلى التقنيات الإيقاعية المبتكرة مما يجعله علامة بارزة في تطور القداس كشكل موسيقي في حد ذاته.

Perotin

بيروتان
تفاصيل حياة بيروتان مغلفة بالغموض: المؤكد أنه أحد أعظم سادة مدرسة نوتردام للموسيقى، وهي مجموعة هامة من المؤلفي والمطربين الذين يعملون تحت رعاية كاتدرائية نوتردام في باريس خلال القرن الثاني عشر. قد يكون هناك اتباع أيضا. أحد أنشطة هذه المدرسة كانت تطور المقطوعات الموسيقية باستخدام الهارموني – أي بوليفونية مبكرة للغاية. فاقت موسيقى بيروتان كثيرا في الجمال والتعقيد الأساليب البوليفونية الأولية غير المغامرة المعتادة في عصره
 
جمع مؤلف أسبق من مدرسة نوتردام يدعى ليونين مجموعة كبيرة من الموسيقى البوليفونية التي تحتفل بالأيام الكبرى للعيد في العام الكنسي المعروف باسم "كتاب الأورجانوم الكبير". وسع بيروتان من المجموعة وطورها إضافة لتحسين التدوين الموسيقي. وقدر ما نعلم، لم يبتكر الأعمال الأصلية نفسه، لكنه طور ما كان في تناوله، مثل أعمال ليونين وآخرين. كتب ليونين أساسا لجزئين صوتيين، كما كانت العادة. وتضمنت أعمال بيروتان ثلاثة بل أربعة أصوات. قدرة لنسج معا أصوات ذات أجزاء متعددة لابتكار أعمال تتميز بالجمال الاستثنائي حققت له سمعة كبيرة. الجزء الداخلي لكاتدرائية نوتردام القوطية الجديدة الكبيرة قد يكون ضخم من صدى صوت هذه التراتيل البسيطة المبهرة.

اثنان من المقطوعات في التسجيلات التي ننصح بسماعها كتبها لأربعة أصوات. وتوسعت الخطوط الميلودية لبيروتان الثرية والمزخرفة من الإمكانيات المعروفة للصوت البشري. النغمات الطويلة المستمرة للترتيل البسيط الأساسي (التينور) الذي شكل جزء من هذه الأعمال قد يكون أكمله المطرب أو عزفه على أرغن بسيط، الأصوات العليات غنت نغمات أقصر في عدد من الإيقاعات المبتكرة. كلا المقطوعتين يدون كحركة واحدة من سيمفونية كلاسيكية أو كونشرتو. وهكذا هذه أعمال مذهلة في عصرها وتمثيل حقيقي لإنجاز بيروتان -صياغة طرق جديدة للتعبير عن لغة الموسيقى.

Paganini

لا أحد يعزف الكمان مثل نيكولو بجانيني. كان أول موسيقي يعين مدير أعمال، وكان يشبه جاثا هايفتر وبي جي بارنوم. توافد الناس لسماعه وهو يعزف، ليس فقط لأمل سماع مهارة العزف الفنية المذهلة لكن أيضا بسبب الفضائح المحيطة به. إحدى الشائعات الملحة اقترحت أن مهارته الفائقة كانت نتيجة تحالفه مع الشيطان. وبالتأكيد ثمة شيء شيطاني بشأنه: وهو صبي شوه يده اليسرى ليزد سرعة انتشار أصابعه، ومعظم اللوحات المعاصرة لبجانيني في سن النضج تقدم شخص شبه ممسوس: شعره طويل ونحيل ونظرته مخترقة. مثل كل العازفين البارعين في عصره بالتأكيد كان يعزف أعمال من تأليفه، أعمال مصممة لاستعراض المجال الكامل لمهاراته، من الغنائي إلى الأكروباتي – مقطوعته الاحتفالية كان قطع ثلاثة أوتار على آلة الكمان ومواصلة العزف. موسيقاه نادرا ما تكون عميقة، لكن الجمع بين السحر المتساهل والاستعراض تسبب الانبهار فوق الفضول.

سمعة بجانيني في العالم كأعظم عازف كمان في عصره تلاها سلسلة حفلات رسيتال قدمها في فيينا عام 1828، وتقدمه الناجح في أوروبا استمر للست سنوات التالية. بعض الموسيقيين مثل شبور انتقدوه للسطحية والخداع في العزف، لكن الكثير من معجبيه تضمنوا شوبان وشومانحيث كتب كلاهما أعمال موسيقية تشيد به – وفوق كل شيء فرانز ليست الذي حول نفسه بنجاح إلى بجانيني على آلة البيانو. قبل عام 1834 كان بجانيني أنهك نفسه وأصابه الإرهاق والمرض وشائعات الصحف الملحة لبخله وفحشه. تقاعد في بارما وقلت عروضه. محاولة عام 1837 لإقامة كازينو في باريس يحمل اسمه أدت لخسارته مبالغ طائلة من المال، وبعد ثلاثة أعوام، توفي في نيس بعد إصابته بمرض في الحنجرة حيث رفض بتصميم رؤية قس قبل الوفاة.

هايدجارد فون بنيجن

هايدجارد فون بنيجن
كانت هايدجارد واحدة من عشرة أبناء أنجبها أبوان نبلاء في قرية بريمرز هايم فيما يعرف الآن بألمانيا الغربية. في سن الثامنة تركت في عناية جوتا سبنهايم قسيسة لمجموعة رهبان يقمن بالدير التابع للأب بنديكت قرب بنيجن. بعد وفاة جوتا، صارت هايدجارد راهبة، وبعد ذلك في الحال عام 1411، رأت ألسنة اللهب تهبط من السماء عليها. من هذا الوقت فصاعدا كرست حياتها في المحاولة للتعبير عن رؤاها الصوفية عبر التأليف الموسيقي والشعر وكتابة المسرحيات.

بسبب تجاربها التنبؤية تمكنت هايدجارد من ممارسة سلطة وقوة غير معتادة للنساء في هذا العصر. مع الجمع بين الأنشطة الدينية والدبلوماسية قامت بعدة رحلات تبشيرية ودبلوماسية عبر ألمانيا في فترة عشر سنوات. كانت كاتبة غزيرة الإنتاج وطبيبة معروفة وعكست أعمالها تحالفا قريبا وإبداعيا بين العلم والفنون. والإضافة إلى الكتابة عن التاريخ الطبيعي والطب، كتبت الكثير من الأعمال الغنائية، وسجلت رؤاها التنبؤية والرمزية في مسودة scivias. مسرحيتها الوعظية "ترتيب الفضائل" تتكون من خطاب عن الفضائل، 16 منها ممثلة في الأداء لراهبات هايدجارد، الدور الرجالي الوحيد – الشيطان – قام به السكرتير الخاص بها.
  
المزج بين العواطف للشعر والموسيقى، جمعت هايدجارد أعمالها باسم "سيمفونية الهارموني للوحي السماوي". أضاف لهذا العمل باستمرار على مندار السنوات ومن هذه المجموعة جاءت السلاسل (قالب الترتيل) والترانيم الموجودة في التسجيلات الموصى بها.

اعتبرت هايدجارد نفسها "ريشة في نفس الرب"، صوفية بدلا منها مؤلفة؛ معظم أعمالها تتعلق بشدة بالنصوص الدينية لاملحنة بألحان طويلة متدفقة، أساسا للأصوات الصولو. في الأعمال "القدس" تشبه القدس بالدير التي أسستها في روبرتسبرج قرب بنجين في موقع الدير الذي هدمه النورمانديون. ماتت هايدجارد في روبرتسبرج في خريف 1179.

Monday, October 27, 2014

دومينيكو سكارلاتي

دومينيكو سكارلاتي
يعرف دومينيكو سكارلاتي الآن تقريبا كليا لأعماله في قالب السوناتا لآلة الكيبورد. هذا بالكاد مثير للدهشة، بما أنه بين 1719 ووفاته كتب نحو 555 سوناتا مكونة من حركة واحدة في أحد أكثر السباقات الموسيقية المميزة في تاريخ الموسيقى.

ولد في نابولي مدينة كانت تخضع للحكم الأسباني منذ 1503، درس دومينكيو هناك مع والده أليساندرو وتعين عازف أرغن في البلاط الملكي (حيث كان والده مايسترو آكابيلا) في سن 15. بعد عدة أشهر عام 1702، حصل الأب والابن على إذن بالتغيب للسفر إلى روما وفلورنسا على أمل العمل بشكل مجزي في بلاط أليساندرو فيرناندو دي مديتشي راعي الأمير. في فلورنسا كان متوقع أن يكون كل من أليساندرو ودومينيكو سكارلاتي التقيا بصانع الآلات الموسيقية الشهير لدى الأمير بارتولميو كريستوفوري. مع العودة لنابولي في نفس العام ظهر دومينيكو أول مرة كمؤلف أوبرالي مع عملين لموسم 1703-4. بعد عام أليساندرو المسيطر كان طموحا ليجعل ابنه ناجحا – فأعد لدومينيكو ليلحق به في البندقية حيث كان يأمل أن يترك كلاهما بصمته في النهاية لم ينجح أيهما هناك، رغم أن دومينيكو التقى مع وصادق هاندل الذي كان شاب حينها. كانت خطوة أليساندرو التالية هي الحصول على منصب مايسترو آكابيلا في كنيسة سانتا ماريا ماجيور في روما حيث وجد وظيفة لابنه كذلك.

بقى دومينيكو في روما من 1708 حتى 1719. هناك بعد وصوله بوقت قصير شارك في مسابقة على الكيبورد مع هاندل في قصر الكاردينال أتوبوني حيث فاز دومينيكو كعازف هاربسكورد في حين اعتبر هاندل عازف أرغن أفضل منه. بعد ذلك تعين في منصب هام وهو مايسترو آكابيلا لدى ماريا كاسميرا ملكة بولندا التي كتب لها العديد من الأوبرات وأعمال الأوراتوريو. في عام 1713 تعين مساعد مايسترو آكابيلا في كنيسة سانت بيتر في روما، حيث أصبح مايسترو في العام التالي. في الوقت نفسه كان يعمل أيضا سفير البرتغال للفاتيكان إضافة لكتابة الأوبرا للمسرح الرئيسي في روما حيث تعرف على المطرب المخصى العظيم فارنيللي
  
في وقت ما في أوائل 1720 صار سكارلاتي مؤلف بلاط الملك البرتغالي جوا الخامس، وهو منصب تضمنت مهامه تدريس الموسيقى لابنة الملك الطفلة ماريا باربرا التي ارتبط معها بعلاقة وثيقة. حين تزوجت ماريا عام 1729 من الأمير فرناندو الوريث للعرش الأسباني، تبعها سكارلاتي (الذي تزوج حديثا) إلى مدريد حيث مكث في خدمتها حتى ثلاثة سنوات قبل وفاته. في مدريد، واصل سكرلاتي صداقته مع فارنيللي (الآن جزء من الأسرة الملكية) لكن لم يبدو قط متورطا في كتابة الاوبرا. بدلا من ذلك، كان شخ في خلفية البلاط وأغلب أعماله الكثيرة للكيبورد كتبها فقط للاستهلاك الخاص لماريا باربرا. لم ينشر سوى 30 من السوناتات خلال حياة سكارلاتي.

كانت آلة الكيبورد في عصر سكارلاتي لها مجال أصغر من البيانو، لكن في هذه الحدود ابتكر موسيقى متنوعة، تتراوح في الصفات من الإلحاح إلى الطابع الغنائي الرقيق. في حين قد لا تملك موسيقاه عمق معاصره باخ، تكشف عن الابتكار الذي لا ينضب. كان سكارلاتي بلا جدل المؤلف الموسيقي الأول حقا لاكتشاف حدود ما يمكن أن تحققه العشرة أصابع: موسيقاه تحتاج للقفز فوق اثنين أوكتيف، فقرات تعبر فيها اليد فوق الأخرى والتكرارات السريعة للنغمات.

 أعمال سوناتا الكيبورد
أعمال السوناتا التي كتبها سكارلاتي لا تحمل أي شبه للقالب المتعدد الحركات الذي أجاده هايدن وموتسارت وبيتهوفن -. فبالنسبة لسكارلاتي مصطلح "سوناتا" لم يدل على شيء أدق من مقطوعة آلية بحتة. ولم يطور المادة الخاصة بأعماله المكونة من حركة واحدة على نمط السوناتا الكلاسيكية، لكنه بدلا من ذلك يواصل بالنسج والمقابلة بين الموتيفات التي تتكرر عبر المقطوعة. يبدو واضحا أن سكارلاتي أصبح مطلعا على الموسيقى الأسبانية الشعبية خلال الطويلة التي قضاها في أسبانيا وأعماله للسوناتا تعكس التقليد الأصلى أكثر من الأشكال الراقصة الخاصة بالبلاط التي يؤيدها معاصروه. بالتالي ممكن الشعور بأصداء العزف على الجيتار والصنوج حتى الإيحاء بدق الأقدام في أعمال السوناتا الأسرع والإحساس بالغناء الأندلسي في بعض الأعمال الأبطأ. لكن فوق كل شيء، إنها قوة ألحان سكارلاتي وذكاؤه الذي يقود به جدالاته الموسيقية والمؤثرات المعبرة شبه الرومانسية التي يحققها التي تجعل هذه الأعمال جذابة مثل أي موسيقى آلية في عصر الباروك.

الستابات ماتر
 أعمال سكارلاتي لسوناتا الهاربسكورد تسيطر على إنتاجه حتى أنه نسى تقريبا أن كان مؤلفا متميزا للموسيقى الصوتية، الدنيوية – في صورة أوبرات وكنتاتا – والدينية. في السنوات الأخيرة بدأت تظهر من الظلال، خاصة العمل الغامض الذي يبدو قديم بعنوان "ستابات ماتر". لم يدري أحد بالضبط متى كتبه أو لمن، رغم أن تاريخه يرجع من عصره في العمل في الإبرشية الموسيقية. مقارنة مع ألحان والده العاطفية الدرامية لنفس النص، يعود سكارلاتي لتقليد بوليفوني أسبق كما يمثله بالسترينا – وهو أسلوب ما زال واضحا في بعض الأنحاء على أنه يناسب الموسيقى الكنسية. كتبه لعشرة أصوات، رغم أنه نادرا ما يوظفه بتزامن، الافتتاحية الساحرة مذعنة برفق لكنها تقدم حياكة مكثفة للأصوات، مليئة بالتنافر المعذب. ما يميزه عن بوليفونية عصر النهضة هو الهارموني، لكن أيضا أسلوب تنويع سكارلاتي الكتابة من قصيدة لأخرى، حيث يستخدم مختلف المجموعات الصوتية وغالبا التغيرات المفاجئة للسرعة، التي تصل ذروتها في الدعاء الختامي "آمين" خاصة في الزمن الثلاثي.

الترتيل الجريجوري

الترتيل الجريجوري

المسيحية لها تاريخ طويل في الترتيل: حيث كانت النصوص الدينية تلحن بألحان من خط واحد لصوت واحد أو أكثر. ومن مختلف أنواع الترتيل المسيحي – المعروف معا باسم الترتيل البسيط أو الغناء البسيط – أهمه هو الترتيل الجريجوري، وهو برنامج حفلات الترتيل الرسمي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية وأقدم موسيقى بقيت من التقليد الغربي.

من أساسها حتى القرن الثامن، تطورت المسيحية دون جهة تنظيمية كلية، وهذا يعني توسع الموسيقى الدينية، لذا تطورت المتغيرات الدينية حول أوروبا. هذا الحال خاصة عندما يتعلق بالترتيل، حيث لا توجد سبل لتدوين الألحان والإيقاعات. وبوصفهم أول ملوك لأسرة كارولنجيان – التي تحكم إمبراطورية تضمنت فرنسا وأجزاء من إيطاليا وألمانيا – الملك بيبن الثالث وابنه شارلمان اتخذا خطوات لتوحيد مختلف أنواع الترتيل المسيحي، حيث تهدف لإكمال التقاليد المحلية المختلفة بطقوس الكنيسة الرومانية. وتحالف بيبن مع البابوية في روما وفي عام 752 جاء الأب ستيفن الثاني ليطلع أسرة كارولنجيان بتفاصيل الترتيل الروماني وموسيقاه. مع ذلك لم يتم تجميع الترتيل الروماني في الحال وامتزج مع التقاليد الغالية لمدة 150 سنة قبل تحقيق شكل ثابت مع قدوم التدوين في القرن العاشر. المسودات الأولى لهذا الترتيل المتنوع هو أساس الترتيل الجريجوري. وهو اسم تم تبنيه على الأرجح لأن الفرانكيون آمنوا بأن القديس جريجوري العظيم الشهير الذي كان بابا من 590 حتى 604، كتب الموسيقى التي أحضرها من روما، رغم أن تقريبا غير حقيقي.

مع النصوص معظمها مأخوذ عن العمل الإنجيلي "كتاب المزامير"، التراتيل هي ألحان منوفونية تعتمد على نمط (مجموعة نغمات مثل سلم موسيقي)، لكنها تختلف كثيرا في الطول والتعقيد. أبسط تراتيل من مقاطع حيث يلحن كل مقطع على نغمة واحدة، على الأرجح كان يراد أن يغنيه جوقة المصلين، في حين أدى الأمثلة السهلة للغناء الجميل (مليسيما) التي تملك نغمات كثيرة لكل مقطع، على الأرجح يؤديها مطربون صولو.

في المصادر الأولى، التي يرجع تاريخها لنحو عام 900، كانت التراتيل تدون بإشارات وهي علامات صغيرة تكتب فوق النص الذي يشير إلى أشكال لحنية لكن ليس درجات صوت أو فواصل محددة، بما في ذلك رسم الخطوط الملونة على الصفحة (الشكل المبكر للمدرج الموسيقي اليوم)، وحتى في ذلك الحين لا يوجد إشارة للإيقاع. خلال الإصلاح المضاد، أعيد تنقيح التراتيل بشكل مكثف وفقط في منتصف القرن التاسع عشر كان هناك اهتمام متجدد في العودة للمصادر الأصلية، حيث حاول رهبان دير سوليمز في فرنسا، ثم غيرهم أعادة ابتكار ممارسة الأداء الأصلية.

بدأت مختلف مدارس الأداء الموسيقي في الظهور: اقترح أحد قساوسة سوليمز أن كل النغمات لابد أن يكون لها نفس القيمة؛ واعتقد قس آخر أنه على الإيقاع أن يكون أكثر حرية، مع نغمات مصنفة إلى مجموعتين وثلاثة مجموعات؛ لاحقا وضع دبليو إيه فوليرتز نظرية استخدام طول نغمتين مختلفتين في العادة. وما زالت هذه النظريات محل الكثير من الجدل وكلها ممثلة في التسجيل الكامل للتراتيل الجريجورية دائمة النمو.

Friday, October 24, 2014

Monteverdi

كلوديو مونتفردي

مشوار مونتفردي الفني يتصادف مع فترة من التغيير العميق في الموسيقى الأوروبية. منذ وقت جوسكان، أصبح المؤلفون بشكل متزايد يعنون بإيجاد أفضل طريقة لنقل معنى الكلمات التي يلحنونها. وقبل نهاية القرن السادس عشر بدأ المؤلفون المتقدمون في رفض البوليفونية لصالح شكل جديد من الموسيقى، يعرف بالمنودية، حيث يقتصر الميلودي على جزء واحد فحسب – أي أجزاء إضافية قدمت دورا سنيدا، حيث تملأ الهارموني أسفل اللحن، عادة في صورة التآلفات. الوضوح اللفظي المتزايد لهذه الطريقة الجديدة منح المؤلفين مجالا أكبر للتعبير عن الأفكار والعواطف ولم يهتم مؤلف أكثر بالتظاهر بالعواطف من مونتفردي. مع ذلك، فعل هذا ليس بالتركيز على أسلوب واحد فقط لكن باختيار أسلوب معين كلما يبدو مناسبا.

أعظم أعماله، الاوبرات والصلوات المسائية، تجمع بين نطاق من الطرق الموسيقية – من المنودية إلى كورس المادريجال – الذي نجحت في خلق شكل متكامل متنوع وفوق كل شيء درامي.

ولد مونتفردي في كريمونا في شمالي إيطاليا، كان ابن صيدلي يعمل حلاق وجراح أيضا. بعد الدراسة مع مارك أنطونيو إنجيجنري، مايسترو آكابيلا في كاتدرائية كريمونا انضم إلى بلاط الدوق التابع لأسرة جونزاجا في في مانتوا، حيث عمل هناك لأكثر من عشرين عاما كان هذا مناخ عمل مثقف للغاية وإن كان منغلقا نوعا ما: حيث كان الدوق فنسينزو الأول طاغية ومتقلب، وكان مونتفردي دوما يشعر أنه لم ينل التقدير الذي يستحقه. أسرة جونزاجا لم تكن واحدة من أقوى الاسر الإيطالية سياسيا لكنها عاشت حياتها بأناقة حيث وظفت العديد من الفنانين المهمين بمن فيهم الرسام روبنز والمايسترو آكابيلا للفرقة هو جياشي دو فيرت – وهو أثر قوي على زميله الأصغر منه سنا.

عام 1599 تزوج مونتفردي من إحدى المطربات في البلاط، وهي كلوديا دي كتانيس، وقبل عام 1601 أصبح مايسترو آكابيلا في بلاط الدوقة سانتا باربرا. أول أوبرا كتببها هي أورفيو عرضت عام 1607، بتكليف من فرانسيسكو الابن الأكبر للدوق. وفي نفس العام، وفاة زوجة مونتفردي تسببت له في الإصابة بالاكتئاب الشديد. عاد لوالده في كريمونا لكن تم استدعاؤه مرة أخرى للبلاط عام 1608 لكتابة أوبرا جديدة وهي أريانا، لحفل زواج فرانسيسكو جونزاجا. حقق العمل نجاحا ساحقا لكن عكس اورفيو لم ينشر قط ونجا منه جزء قصير فحسب وهو رثاء آريانا الجميل.

السنوات الأخيرة التي قضاها مونتفردي في مانتوا بدت مخيبة للأمل، و"صلوات المساء" الشهيرة عام 1610 نشرت بإهداء للبابا في محاولة لإيجاد وظيفة في روما. لم ينتج شيئا عن هذا، وحيث وصل فرانسيسكو جونزاجو لمنصب الدوق عام 1612، وجد مونتفردي نفسه قد طرد من الوظيفة مرة أخرى عاد لكريمونا قبل أن تعرض عليه بشكل غير متوقع وظيفة مايسترو آكابيلا في سانت مارك في البندقية. حسب المعايير الموسيقية الأفضل في سانت مرقص وبدوره لاقى التقدير المناسب حيث تمتمع بأجر كبير ومنتظم.

بعد الطاعون الرهيب الذي أصاب البندقية عام 1630 أصبح قسا وقد تكون سنواته الأخيرة انقضت بهدوء لولا افتتاح دار الاوبرا الحكومية الأولى في البندقية في سان كسيانو عام 1637. لباقي سنوات حياته كتب بانتظام للأوبرا لكن لسوء الحظ فقط نجا عملان "عودة عوليس" واحد أعظم أعماله وهو "تتويج بوبيا".

أشهر أعماله
أورفيو
أول أوبرا لمونتفردي تروي عن وفاة يورديس وكيف يتجول الشاعر والمطرب أورفيوس للعالم السفلي في محاولة لإعادتها من الموت. قوة موسيقاه تقنع بلوتو أن يسمح بعودتها، لكن يجب ألا ينظر أورفياس للوراء وهو يقودها للعالم العلوي لكن في اللحظة الأخيرة يفعل هذا ويخسرها مرة أخرى.

الرسيتاتيف هو الشكل السائد للغناء في حين الآريا، التي بنفس وضوح الأسلوب الصوتي المميز بوضوح، بالكاد يكون ظاهر. حتى اللحظة الهامة للأوبرا "الروح القوية"، حيث يستعرض أورفياس مهارته الصوتية من أجل دخول هادس وهو نعي مزخرف في الأساس. أقوى الألحان في "أورفيو" موجود في الريتورنيللو، الفقرات الآلية القصيرة التي تضبط الدراما. الريتورنيللو الافتتاحي – الذي يتكرر في نهاية الفصل الثاني وفي بداية الفصل الخامس – يتولى وظيفة تدل على عالم الأشخاص الفانين والقوة العلاجية للموسيقى. هذا الجانب الرمزي أيضا يظهر في التدوين، مع التمييز الواضح بين العالم السفلي، يمثله آلات الترومبون الكئيبة وعالم الأحياء المدونة أساسا للوتريات.

عودة عوليس للوطن
فجوة تزيد على ثلاثين عاما تفصل كتابة اورفيو من الأوبرا الثانية التي نجت لمونتفردي، "عودة عوليس" التي عرضت أول مرة في مسرح سان كسيانو عام 1640. الليبريتو لجياكومو بادورو مقتبسة من الأوديسة لهوميروس. في حين كان عوليس بعيدا لمدة عشرين عاما (حيث كان يقاتل في طروادة ثم حاول العودة للوطن إلى إيثاكا)، ظلت زوجته بينلوبي مخلصة له رغم تقدم العديد من الخطاب لها. عند نهاية الأوبرا تعقد بنيلوبي منافسة: كل من يسحب قوس عوليس سوف يفوز بيدها. يفشل كلهم باستثناء عوليس الذي يتنكر كشحاذ، ليس فقط يسحب القوس لكن يقتل كل خطابها. وبنيلوبي التي خافت من الخداع رفضت الاعتراف انه حقا زوجها لحين يصف الغطاء المزين لفراش الزفاف. “عودة عوليس" اكثر عمل مهمل من أوبرات مونتفردي الباقية، ربما لأنها الاكثر عمل يعرض في البلاط الملكي، مع ذلك نسيجه أكثر تنوعا من اورفيو. الرسيتاتيف ما زال الاداة الأساسية للتعبير هنا لكن الآريا تتحدث بانتظام لتكثيف الدراما – أهمها في الفصل الثالث.

تتويج بوبيا
اختار مونتفري موضوع كلاسيكي لآخر وأعظم أوبرا له، لكن هذه المرة من التاريخ بدلا من الميثولوجيا – أول وأشهر مثال من أوبرا تعتمد على الواقع. اختيار موضوع "تتويج بوبيا" قد يبدو ريبا، بما أنه يختتم بالانتصار الكامل لانعدام الأخلاق. الامبراطور الروماني نيرون يقرر ترك زوجته أوتافيا والزواج من عشيقته الجديدة بوبيا. حين ينتقد مدرسه الفيلسوف سينكا القرار يامر نيرون – بتحريض من بوبيا – بإعدامه. اوتيون عشيق سابق لبوبيا تبتزه أوتافيا لعمل محاولة لقتل بوبيا يفعل ذلك وهو متنكر كخادمة اوتافيا دورسيلا التي تحبه. فشله يؤدي إلى اعتقاله ونفيه ثم يطلق نيرون زوجته وينفيها وتنتهي الاوبرا باحتفال نييرون وبوبيا في فرح بنجاحها وحبهما لبعض في دويتو حسي ومؤثر. وثمة خصائص كثيرة تميز "تتويج بوبيا" من الأعمال السابقة لها، بعيدا عن احتمال أن تشمل موسيقى لأكثر من مؤلف واحد. توزيعها أقل من المستخدم في "عودة عوليس"، والموسيقى تتميز بالمزيد من التناقضات الواضحة بين الأقسام المتقابلة، مثلما في إعداد سنيكا للانتحار. الآريا هنا أطول وبارزة أكثر كذلك والشخصيات أعقد من أي شيء حاول مونتفردي كتابته من قبل – نيرون أكثر إبداعاته تطورا.

الصلوات المسائية
أسرة جونزاجا وظفت مونتفردي أساسا كمؤلف للموسيقى الدينية، ورغم أنه أصبح مايسترو آكابيلا عام 1601، إنتاجه الديني قليل نسبيا بعد تعيينه في كنيسة سانت مارك في البندقية. بلا شك أعظم إنجاز له في مجال الموسيقى الدينية كان مجموعة أعمال موسيقية للصلوات المسائية التي نشرها عام 1610. ثبت صعوبة التحديد في أي مناسبة كتب هذه الموسيقى، لكن مؤكد أن مونتفردي أراد نشرها كاستعراض مهاراته، فوق كل شيء لقدرته على الكتابة بفاعلية في عدة أساليب قديمة وجديدة. الصلوات المسائية تقدم تناول مسرحي استثنائي للموسيقى الكنسية مع نطاق من المؤثرات المذهلة في القداس، من النفير الافتتاحي إلى استخدام الصدى في الموتيت أو الزخرفة الدرامية للجزء المخصص لثلاثة مطربين تينور في النهاية ناهيك عن الكتابة لموسيقى الآلات.

 
المادريجال
الأغاني الدنيوية لمختلف الأصوات، تعرف بالمادريجال تطورت في إيطاليا في القرن السادس عشر وصلت أوجهها في بداية القرن السابع عشر. مونتفردي بالفعل نشر مجموعتين من المادريجال قبل وقت وصوله إلى مانتوا عام 1592. هذه الألحان من خمسة أجزاء تتميز بسحر كبير لكن تحت تأثير دي فيرن أصبح مونتفردي أكثر جرأة خاصة في استخدامه للتنافر. هذا شجع صاحب نظرية محافظ يعرف باسم أرتوزي على شن هجوم لاذع عليه. دفاع مونتفردي لاحقا ضخمه جيليو سيزار ظهر في مقدمة الكتاب الخامس للمادريجال، حيث يميز بين الأسلوب القديم للتأليف (الممارسة الشائعة) حيث حكمت الموسيقى الكلمات وأسلوبه الجديد (الممارسة الثانية) حيث حكمت الكلمات الموسيقى. من كتابه الخامس للمادريجال فصاعدا يصبح مونتفردي راديكالي بتزايد أدخل آلات موسيقية ويصبح الهارموني تعبير بتزايد وانقسم المطربون لمجموعات متقابلة.



معركة تانكريدي وكلوريندا

في الكتاب الثامن للمادريجال، بعنوان "أغاني المادريجال عن الحب والحرب" يوضح مونتفردي خطته الجمالية في مقدمة. ينظر إلى الأفكار الكلاسيكية، يجادل أن الموسيقى ينبغي أن تستحضر لدى السماع الحالة المتقابلة للهدوء والحرب والحب. هذا يمثله أحد أروع ألحان بيترارك وهو مثال درامي مذهل عن تلحين الكلمات حيث تنعكس تغييرات المزاج في تغييرات السرعة والصوت. هذه الخطوة نحو شكل مرئي للواقع الموسيقى (الأسلوب المثير) نراه حتى اوضح في مقطوعة درامية ضمن الكتاب الثامن "معركة تانكريدي وكلوريندا" وهو عمل غير مصنف ليس أوبرا تماما لكنه أكثر من مجرد مادريجال. عرض أول مرة عام 1624 في منزل أحد النبلاء في البندقية، يروي حكاية (خلال راوي أساسا) نزال بين سيدة متنكرة هي كلوريندا وفارس صليبي تانكريدي يوظف مونتفردي العديد من المؤثرات المقلدة المذهلة، بما فيها عدو الخيل وصليل السيوف، لكن جوهر العمل هو المفردات المعبرة. العرض الأصلي تسبب في دموع الجماهير.

Saturday, May 17, 2014

7-حضور العروض الموسيقية

بما أن الموسيقى لابد من سماعها حتى نجربه بالكامل لا يمكن لأي كم من القراءة أو الحديث عنه أن يحل محل السماع. تسمح الاسطوانات والتسجيلات والشرائط للسماع المتكرر للموسيقى العظيمة بتكلفة متواضعة ولا نقدر بقيمة لأغراض الدراسة والتحليل والتسلية في المنازل. لكن الموسيقى فن حيوي ونجربه بأفضل شكل في العرض المباشر.

أداء وسماع الموسيقى هي عمليات ذاتية بشدة. تقنية أحد العازفين تختلف عن تقنية آخر، طابع الصوت لكل آلة موسيقية فريدة، السرعة المفضلة لأحد قادة الأوركسترا قد تبدو أسرع من اللازم أو أبطأ من اللازم لواحد آخر. السرعة والتعبير العاطفي هي مجرد بعض أوجه العرض التي تأثرت بالذوق والخبرة إضافة إلى حجم قاعة الحفلات والظروف المختلفة الأخرى.

في حين لا يوجد عرضان متماثلان تماما لا يمكن تغير العرض المسجل. السماع المتكرر للتسجيل يتسبب في جعل الموضوعية للسامع مملة، مثلما أصبح الأداء المألوف مقبول على أنه "صحيح". سماع التسجيلات المختلفة لنفس العمل، من جهة أخرى، يشجع على السماع والوعي لجودة العرض إضافة إلى التأليف الموسيقي. لكن من يستمع للعروض المسجلة حتما يلعب دورا سلبيا واحدا.

المستمع لحفل مباشر هو مشارك فعال يشارك في كل من المسئوليات والمكافآت لتحقيق عرض عظيم. لذا حضور الحفل جزء أساسيا لسماع موسيقى عظيمة.

المعلومات الأساسية المقدمة في هذا الفصل ستسمح لمرتاد الحفلات الجديد أن يرتاح وينتبه للعرض المباشر، دون إزعاج من الاهتمام بعادات الحفلات والإجراءات.

الحفلات مقابل الرسيتال
في حين لا يرسم الخط بين الكونسير والرسيتال دائما بوضوح، الكونسير عادة يشير إلى جهد في حفل الكونسير لفرقة كبيرة ورسيتال لعرض يقوم به عازف صولو أو فرقة صغيرة. الكونسير عادة يعمل في قاعة كبرى يمكنها أن تضم الكثير من الأشخاص وحيث يحمل صوت الفرقة أو الأوركسترا بفاعلية. الرسيتال غالبا مقدمة في أماكن أصغر التي تقدم لحن أكثر حميمية وبيئة أفضل لصوت أصغر للأصوات الصولو والآلات.

إجراءات العرض
لابد من التخطيط للوصول إلى قاعة الكونسير قبل عدة دقائق من التخطيط لبدء حفل مما يتيح الوقت للجلوس والنظر بسرعة في البرنامج واستيعاب المناخ كجمهور واستعداد العازفين للعرض مبكرا تماما. يعدون موسيقاهم في حاملات النوت والاستعداد بالتمرين على فقرات من الاعمال التي على وشك أدائها. الصوت الناتج مع عزف الكثير من الآلات موسيقى مختلفة في الوقت نفسه، هوة جزء طبيعي من جو ما قبل الحفل ويضيف للشعور السار بالترقب.


العروض الأوركسترالية
قبل وقت قصير من بداية العرض الأوركسترالي، عازف الكمان الأول، المعروف باسم قائد الفرقة الموسيقية، يدخل خشبة المسرح وعادة يصفق له الجمهور. قائد الفرقة الذي يعمل كمساعد للمايسترو يستدعي انتباه الأوركسترا ثم يومئ لعازف الأوبوا الأول ليعزف نغمة لا، وهي درجة الصوت التي تنغم بها الأوركسترا. (بعض الأوركسترات استبدلت هذا الإجراء للتنغيم التقليدي باستخدام آلة تنغيم إلكترونية بدلا من آلة أوبوا). اذا ادخلنا آلة ذات لوحة مفاتيح في الفرقة لابد من تنغيم الآلات الأخرى وفقا لها، بما أن تنغيم البيانو أو الأرغن لا يمكن ضبطها بسرعة.

عند إشارة من قائد الفرقة تستقر الأوركسترا ويدخل المايسترو المسرح يحييه الجمهور بالتصفيق. ينحني المايسترو ويستدير لمواجهة الأوركسترا يرفع العصا ويبدأ العرض.

منذ أواخر القرن الثامن عشر، رتبت آلات الأوركسترا على المسرح تقريبا مثل اليوم. الوتريات تقدم "اللون" السائد للأوركسترا السيمفوني. أعضاء الثلاث عائلات الاخرى من الآلات نضعها بشكل مناسب حيث تدعم أفضل شيء الصوت الكلي للفرقة.

حجم الأوركسترا يختلف حسب أسلوب الموسيقى التي يتم أدائها. أوركسترات القرن الثامن عشر كانت صغيرة. أثناء القرن التاسع عشر أضيفت عدة آلات جديدة التي تستوجب إضافة المزيد من آلات الكمان وآلات "تقليدية" أخرى لصوت متوازن. اتجاه من القرن العشرين تجاه القيود والسيطرة على الموارد أدت للكثير من المؤلفين الموسيقيين للكتابة لعدد أقل من الفرقة الموسيقية الأصغر مرة أخرى. لذا قد يدخل العازفون أو يغادرون خشبة المسرح بين الأعمال حسب أسلوب العمل التالي المراد عرضه.

الأشكال الأوركسترالية
الأشكال الهامة للموسيقى الأوركسترالية ستتم مناقشتها بالتفصيل في فصول لاحقة. يتم إدخالها هنا بالإشارة إلى تجاربك المبكرة في الحفلات، سيدعمك فهم أساسي لمصطلحات ومفاهيم معينة.

السيمفونية

السيمفونية عمل أوركسترالي من عدة حركات أي مكونة من عدة حركات تنفصل عن بعضها بوقفة مختصرة. تختلف الحركات عن بعضها البعض في السرعة والمزاج والمادة اللحنية واحيانا في المقام. مع ذلك نفهم السيمفونية كعمل متكامل ونادرا ما يقاطع العرض التصفيق بين الحركات.

Friday, May 2, 2014

هكتور برليوز

هكتور برليوز
ضمن ممثلي الرومانسية الفرنسية في القرن التاسع عشر كانوا يوجين ديلاكروا، الذي كان يرسم المذابح في اثناء الحروب وفيكتور هوجو كاتب البؤساء واحدب نوتردام وهيكتور برليوز الذي اتبع نصيحة مدرسه الاول في تتبع التاثيرات البابلية في موسيقاه. كلهم تركوا اثرا كبيرا على عصرهم. في حالة برليوز بذخ افكاره وخياله الاوركسترالي غير المسبوق عم باقي القرن.

عند الحديث عن العصر الرومانسي، ذكر رد الفعل المبالغ لبرليوز تجاه الموسيقى. هذه المبالغة ميزت حياته وعمله اضافة للانغماس المنتظم في التامل وكتابة انطباعاته. ولا عجب كان برليوز اول مؤلف موسيقي هام يكتب مذكراته كثير مما كتب عن معاصره هوجو ينطبق على برليوز ايضا – تمركزه حول ذاته ومغامراته العاطفية التي بها هزيان وايمانه بالتقدم حتى الفظاظة والبطولة في صفحاته. كان عصر حين توقع من الفنانين المبالغة والخلاعة على حافة الجنون. (قال جان كوكتو "فيكتور هوجو كان رجلا مجنونا صدق انه فيكتور هوجو").

بقول اخر شخصية برليوز ووعيه لذاته كان شيئا منتشرا في عصره. ليبقى نفسه وعمله ثابت منحه لمسة كلاسيكية. احيانا تكون موسيقاه مبالغ فيها لكنها لا تخرج عن السيطرة، ثرية واحيانا غريبة في التوزيع لكن غير خاطئة. في موسيقاه لكن ليس في حياته حقق اكثر خيالاته جموحا بوضوح رائع للوسائل.

كان اسمه بالعمادة لويس-هكتور برليوز ولد في 11 ديسمبر 1803 في بلدة كوت سانت اندريه قرب جرينوبل. كان والده طبيبه موسرا والدته كاثوليكية متدينة امنت ان المسح وقاعة الحفلات الموسيقية بوابات لجهنم. كان يقصد من البداية ان يتبع والده في الطب انجذب هيكتور بدلا من ذلك للموسيقى حيث تعلم عزف الجيتار والفلوت (لم يعزف البيانو قط) علم نفسه من الكتب والتاليف الموسيقي. في سن 18 ارسل لباريس ليدرس الحصول على شهادته الطبية لكن بعد الاحتجاجات من والده والتوسل الهستيري من والدته انتهى به الحال في دراسة الموسيقى في كونسرفتوار باريس.

لوسور مدرسه الاول كان المؤلف الموسيقي في بلاط نابليون كان هو من اقترح التاثيرات البابلية الهائلة التي ناسبت مزاج راعيه الشاب. لوسور ايضا عرف ان برليوز كان عبقريا وبرليوز لم يفقد ايمانه ابدا. كان يحب العباقرة المفضلين للرومانسيين في كل مكان بيتهوفن وشكسبير وجوته وهوجو.

العمل الاساسي الاول لبرليوز كان القداس المهيب الذي انتجه مرتين في 1820. رغم انه جلب له بعض الانتباه تكليف عرضه جعلته يتوسل المال لسنوات وهو شيء استمر في معظم مشواره الفني. لجعل الامور اسوا بعد ان حاول بتكرار وفشل في الفوز بجائزة روما المحترمة في كونسرفتوار باريس منع عنه والده المال.

الجزء البطولي المفرط وسيء السمعة من حياته بدأ حين حضر عرض في باريس لمسرحية هاملت لشكسبير سنة 1827. دور أوفيليا ادته ممثله متحمسة شابة تدعى هارييت سميثون. رغم ان الانتاج كان بالانجليزية وبالكاد فهم برليوز كلمة منه قبل نهاية العرض كان مفتون باستماتة بهارييت. الجمع بين شكسبير والجمال الانثوي اثر عليه فجال المدينة طوال الليل في نوبة احباط ورغبة. وللمس سنوات التالية – حتى لقاءهما الفعلي – حكمت صورة هارييت سيمثون حياته.

بعد تضليلها برسائل دون جدوى تصور فكرة قهرها بموسيقاه، بكتابة سيمفونية عظيمة حيث كتب، "تطور عاطفتي مرسوم" بالتالي أصل العمل الرومانسي الرائع في الموسيقى الأوركسترالية، "السيمفونية الخيالية". تعتمد على برنامج فيه السيرة الذاتية بوضوح الذي أنكره برليوز لاحقا لكن يظل أساسي لفهم الموسيقى. موسيقى شاب "يملك حساسية وخيالا قويا" محبط في الحب يحاول قتل نفسه بتعاطي الأفيون. لكن بدلا من الوفاة، منحه المخدر هلاوس قوية وهذه تشكل الخمس حركات للسيمفونية: يتذكر متى رأى لأول مرة حبيبته وشعر بالشغف، يراها ترقص في القاعة، يهدأ بمشهد في الحقول، قتلها وأعدم عند المقصلة، جثته تصبح أساس "سبت الساحرات" خلالها تظهر المحبوبة كساحرة غريبة الشكل. بما أن برليوز لم يتمكن من الهروب من صورة هارييت سميثون، كذلك السيمفونية الخيالية يطاردها لحن وصفه بالفكرة الثابتة. يمثل اللحن المحبوبة فيظهر في رداء جديد في كل حركة، من الظهور الغنائي الأول إلى المحاكاة الصارخة في سبت الساحرات.

أصالة الصوت والمفهوم في السيمفونية الخيالية وقوة الابتكار المستدامة المذهلة في مؤلف عمره 26 سنة، جعلتها واحدة من أهم الاعمال في القرن. معالجتها المعبرة بشكل غير مسبوق للأوركسترا، الامزجة تتراوح من الجمال السماوي للبداية عبر مشهد قاعة الرقص الأنيقة، المارش العاصف للمقصلة وانتهى في السبت الشيطاني، ساعدت في إشعال ثورة في فن التوزيع الأوركسترالي. في حين المؤلفون السابقون أرادوا من الآلات أن تبدو كنفسها وتقدم الموسيقى بوضوح وكفاءة، الآن الأوركسترا حرة في الغمغمة والصياح والعويل كشياطين عند الضرورة. كتاب التوزيع الأوركسترالي لبرليوز لسنة 1844 كان ضمن الأول من نوعه ويظل ضمن الأبرع. مع تناول كلاسيكي للتعبير الرومانسي، كتابه يصنف بحرص الآثار العاطفية للألوان النغمية وتقنيات التدوين الموسيقى.

كتاب التوزيع الأوركسترالي لبرليوز لسنة 1844 ضمن الأول من نوعه ويظل ضمن الأبرع. مع تناول كلاسيكي تجاه التعبير الرومانسي يصنف كتابه برعاية الأثار العاطفية للألوان اللحنية وتقنيات التدوين.

السيمفونية الخيالية أيضا بدءات العصر العظيم للموسيقى ذات البرنامج كقالب السوناتا ونماذج كلاسيكية اخرى ذابلة يمكن لاي حكاية مصاحبة ان تتولى وظيفة تنظيم وتبرير الموسيقى. مهم بالمثل استخدام برليوز للفكرة الثابتة الهم السيمفونيات الدورية مثل سيمفونيات شومان حيث تظهر الالحان مرة اخرى في اكثر من حركة واحدة ومناهج شبيهة في اعمال ليست. (سمع ليست العرض الاول سنة 1830 للسيمفونية الخيالية في باريس، من الان فصاعدا كان صديق وطالب لدى برليوز) بالنسبة لريتشارد فاجنر الشاب كان برليوز والسيمفونية الخيالية تحريض نحو تطور اسلوبه الخاص والتوزيع الاوركسترالي وفكرته للحن الدال التي تشبه كثيرة الفكرة الثابتة.

مع ذلك هارييت سميثون لم تحضر العرض الأول للعمل التي الهمته بشكل غريب. ادعى برليوز انه استحضر روحها بالسيمفونية وعلى اية حال وجد العزاء مع عازفة بيانو شابة مغازلة تدعى كاميل موك التي خطبها. ايضا في محاولته الرابعة اخيرا فاز بجائزة روما بكتابة كانتاتا تقليدية بما يكفي ليرضي المحكمين. الجائزة تعلقت باقامة مدتها ثلاث سنوات في روما. ذهب برليوز هناك بتراخي رغم ان جولاته الطويلة في الريف والجبال لاحقا الهمت اعمال مثل افتتاحية الكارنفال الروماني وهارولد في ايطاليا. في روما ايضا تعرف على مندلسون الالماني الشاب الودود وجد شخصية برليوز وموسيقاه غير مناسبة لذوقه لكنه ظل مهذبا كالمعتاد.

أثناء مكوثه في ايطاليا علم برليوز أن كاميل موك تخلت عنه لصانع الات بيانو ثري. تعهد بقتلها وقتل امها معها، شرع الى باريس معه مسدسين محشوين وزء تنكري لخادمة وباروكة. مر عبر جنوا قبل ان تتضح مدى سخف الخطة بالنسبة له فعاد الى روما – لكن فقط بعد كتابة افتتاحيات الملك لير وكورسير.

بالعدة لباريس سنة 1832 انتج كونسير يقدم السيمفونية الخيالية والجزء الثاني الاضعف الذي كتبه في ايطاليا المعروف باسم "ليليو". كانت القاعة ممتلئة بالفنانين الشباب ذوي المعاطف القطيفة ووجوه حادة شاحبة يطلبون ان يذهلهم العرض. بالصدفة المحضة ظهرت هارييت سميثون في باريس في ذلك الوقت تحاول احياء مهنتها التي لم تعد كالسابق. الشاعر هاينريش هاينه الذي كان حاضرا ايضا تذكر العرض فقال: برليوز بمظهره الغريب يعزف التمباني ويحملق بوجه حزين في الممثلة ويشعر بغضب اشد عندا التقت عيناهما.

نجح الأمر فإضافة لمعظم الجمهور العرض أسر وأذهل هارييت. الآن رغما عنها بدأت تستجيب لتوسلاته المتجددة. لكن ليس في الحال، وأثناء هذا عارضت كلتا أسرتيهما كلتا أسرتيهما فكرة زواجهما بشدة. توسل برليوز وطلب وحاول تسميم نفسه أمام عينيها. أخيرا في اكتوبر 1833 تزوجا في باريس. وهذا حتى بشكل درامي أكثر من المعتاد انهى كل من الهوس والرومانسية. مع انتهاء مشوارها الفني اصبحت هارييت شرسة وغيورة وعجوزة قبل الاوان. بعد عدة سنوات عاصفة وطفل واحد انفصلا. برليوز تعرف على المطربة ماري ريشيو لكن اعال هارييت حتى وفاتها عام 1854.

مع السيمفونية الخيالية صنع برليوز اسما لكن ليس ثروة. لم يضمن قط حياة معيشية مضمونة أو يحقق اعظم احلامه. أراد التدريس في كونسرفتوار باريس وكتابة الاوبرات لكن اعداءه منعوه من الحصول على وظيفة في التدريس (رغم أنه اصبح امين مكتبة في الكونسرفتوار) وبعد فشل "بنفنيتو تشيلليني" في اوبرا باريس سنة 1838، لم ينل فرصة اخرى قط على المسرح حتى فات الاوان. بدلا من ذلك ظل يعمل موسيقيا حرا حيث اضطر لجني عيشه بطريقة احتقرها رغم انه اجادها وهي الكتابة عن الموسيقى في الصحف. في مقالاته ونقده روج لموسيقى ليست وشوبان وبيتهوفن وقاتل ضد المعاملة السيئة للمدونات الموسيقية للمؤلفين في دور الأوبرا وحارب للأفكار الموسيقية التقدمية عامة. ما زالت كتاباته تطبع وتقدم قراءة مسلية.

من حين لآخر وجد موسيقاه التفضيل في باريس لكن بين هذا شهد فترات طويلة من الإهمال والنضال. حول اوروبا صار بطلا لما اطلق عليه بعد قرن الطليعة، لكن للمؤسسة الموسيقية في باري كان العدو. الموسيقى في فرنسا استمرت كسياسة القوة من اسوأ نوع بوتقة تغلي من المؤامرات والتحالف والخيانة. نقطة هامة هي العرض الاول للقداس الجنائزي لبرليوز. طويلا رغب في كتاب قداس جنائزي واخيرا حصل على تكليف من وزير الفنون الرفيعة. في الحال رعاة كيروبيني الرئيس المحافظ للكونسرفتوار حاول منع التكليف. لكنهم فشلوا وواصل برليوز العمل في فورة من الإبداع حيث كتب في الغالب المقطوعة الكبيرة في ثلاثة أشهر. بعد إكمال العمل وقام بالترتيبات المعقدة للعرض الأول، الغى الوزارة الحفل دون ايضاح السبب – وتوقع من برليوز سداد النفقات المتكبدة أعلن بكئابة وهو يقوم بالسعي لخططه الخاصة "أتحداهم في إحباطي".

بمساعدة أصدقائه في المكانة العليا، الفرصة للقداس الجنائزي جاءت في ديسمبر 1837، مع احتفال تذكاري في الإبرشية لجنرال قتل في الجزائر. في العرض الأول أضيئت الإبرشية بآلاف الشموع؛ الأسرة المالكة، السلاح الدبلوماسي، وكل الطبقة الراقية في باريس حاضرا في العرض، وبرليوز منح القوى البابلية التي طلبها: 190 عازفا، كورس من 21، إضافة إلى 4 جوقات للآلات النحاسية في جوانب الإبرشية و16 تمباني، كلها تصدر ضجة لتحيي الموتى. في العرض جلس برليوز إلى جانب المايسترو لينتبه في حالة حدوث تخريب وحق حدث في لحظة حرجة مباشرة قبل اندلاع الآلات النحاسية لتنذر بيوم القيامة لآلة التوبا، الماسيترو أنزل عصاه ببطء وأخذ جزء من النوشق. برليوز قفز واقفا وقاد الأوركسترا ودخلت الآلات النحاسية في الموعد. لهذه اللحظة نفع تصميمه وحقق له القداس الجنائزي الهتاف الواسع من النقاد والجمهور على حد سواء.

مع ذلك في النهاية تغير هذا النصر قليلا. أعداؤه واصلوا حملاتهم ضده ولم ينجحوا في الغالب. أثناء هذا ازدهرت سمعته في مكان آخر خاصة في ألمانيا حيث حارب ليست وشومان نيابة عنه. بداية من 1840 تجول برليوز في ألمانيا وإيطاليا والنمسا والمجر وإنجلترا وروسيا حيث قاد موسياقه في الغالب وسط تصفيق كبير. في مذكراته يكتب عن معجبين يقبلون طرف معطفه بعد أحد العروض. (كان كما قلت عصر مسرف). في 1844 بحفل في باريس قاد الأوركسترا وكورس أحلامه حيث وصل لأكثر من ألف وتطلب سبعة قادة مساعدين للأوركسترا. رسومات الكاريكاتير في العصر تصور برليوز النحيل بأ،فه الذي يشبه الصقر يخيم كالطائر الكبير فوق أوركسترات تضم الآلاف بلا حصر وتشمل المعدات الثقيلة لم تكن بعيدة عن الصدق.

من 1856 الى 1858 بذل جهد في أكثر أعماله طموحا الملحمة الأوبرالية الطرواديون وصلت إلى ست ساعات. لكن مع الافتقار للجمع بين الطاقة والرعاية والحظ واللؤم أن نجح فاجنر في إحضار الدراما الموسيقية الضخمة (الهائلة) للمسرح قاتل برليوز لسنوات لإنتاج الطرواديون بلا طائل. أخيرا النصف الثاني أنتج في تواضع سنة 1863 لكن كان نجاحه متواضعا. حينها تعب برليوز وشعر بالإرهاق والمرارة ومرض في الأمعاء. استجاب لأخبار ظهور الجماهير في الأوبرا بقول "هم آتين لكن آن ذاهب".

اغنيته الأخيرة كانت الاوبرا كوميك الصغيرة بياتريس وبنيدكت، وهو عمل جميل غنائي ملء بالحب ومبهج كليا، كان كل شيء برليوز نفسه لم يعد كذلك. نجح في قيادة العرض الأول الناجح في بادن-بادن بالمانيا عام 1862. نفس ذلك العام توفيت زوجته الثانية ماري ريتشيو (كان تزوجها بعد وفاة هارييت)، بعد خمس سنوات، وفاة ابنه في هافانا أزالت السرور القليل الذي تبقى له في الحياة. عاش منعزلا في باريس لحين وفاته في سن 66 في 8 مارس 1869. خلال عدة أعوام، مؤسسة باريس التي أحبطت برليوز في كل خطوة قدرته بشدة عمليا.

برليوز لم يكتب أعمالا هامة من موسيقى الحجرة أو البيانو تقريبا كل ما فعله كان كبيرا. عمله، قال هاينه، "يجعلني أحلم بإمبراطوريات رائعة مليئة بالخطايا الهائلة". جزئيا بسبب ذلك الإسراف، يظل برليوز الأكثر جدلا من كل مؤلفي الموسيقى الكبار في القرن ال19. نجد احد الكتاب الحديثين يقول "مواده اللحنية كانت عادة من الدرجة الثانية"، أخر يعلن عنه "أعظم مؤلف منذ موتسارت". فقط في العقود الأخيرة أخذه الموسيقيون والنقاد على محمل الجد بشكل عام. القليل ينكرون أنه توجد مشاكل في موسيقاه – الهارمونيات الحرجة، الأصوات الأساسية الغريبة، التجارب الفاشلة من مختلف الأنواع ودرجة من الهذيان مكان الموضوع.

لنبدأ في معرفته أوصى بالسيمفونية الخيالية الحتمية. مثل "طقوس الربيع" لسترافنسكي لم تفقد رائعة برليوز الأولى قدرتها على إحداث صدمة. الإيقاعات الغريبة والهارمونيات المدهشة والتعبيرات الأوركسترالية المدهشة التي تتراوح مع الغنائية المذهلة جعلته مفضل لدى الجمهور منذ البداية.

يمكن قول نفس الشيء عن افتتاحياته خاصة الكارنفال الروماني المألوف، الذي كان في الأصل جزءا من أوبرا بنفنيتو تشيلليني. مجموعة من الحركات البريستو والألحان الحزينة الموزعة بشكل لامع هي أنها ضمن أبرع افتتاحيات الكونشرتو في برامج الحفلات.

هارولد في إيطاليا سيمفونية ذات برنامج، مع إلهام أقل ألهاما من السيمفونية الخيالية. اعتمدت على واحدة من الأعمال الكلاسيكية الرومانسية في هذا العصر، شيلد هارولد لبايرونليس للمرة الوحيدة، كان برليوز متحررا يأخذ حريته مع نموذجه، هارولد لباريون لم يذهب قط لإيطاليا، لكن برليوز أرسله هناك إلى المناظر الطبيعية التي أحبها المؤلف أثناء بقاءه في إيطاليا: حيث يتأمل هارولد الجبال. التكليف بكتابة المقطوعة جاء سنة 1832 من العازف الماهر والمؤلف الموسيقي نيكولو بجانيني الذي أراد كونشرتو للفيولا ليستعرض آلة الكمان ماركة سترادفارياس الجديدة. جعل برليوز دور عازف الفيولا الصولو الذي يمثل شخصية هارولد جزء أوبليجاتو في سيمفونية أوركسترالية. رأى بجانينين أن دور الفيولا صغير فرفض عزف المقطوعة لكن حين سمعه أول مرة وهو أحد أكثر مدونات برليوز دفءا وجمالا أسرع بجانيني للمنصة وقبل ايدي المؤلف لاحقا أرسل له شيكا بمبلغ كبير مع ملحوظة: "بيتهوفن قد مات وبرليوز وحده هو من يمكنه أن يحييه".

 أقل أعماله المألوفة هو سلسلة أغنيات تعرف باسم "ليالي الصيف" للسوبرانو والأوركسترا. يصحب الصوت معالجة رقيقة للأوركسترا فيغزل بعض من أجمل ألحان برليوز – كان يملك الموهبة الرومانسية لألحان غنائية خالدة ونادرا أكثر رشاقة من هنا.

أخيرا جرب سماع القداس الجنائزية الخالد الذي كتب عنه برليوز "إذا كنت مهددا بحرق كل أعمالي سوى واحد إنه للقداس الجنائزي الذي أطلب له الرحمة". هذا ليس عمل للتدين المخلص لكنه بالأحرى تدفق الأسلوب النابليوني من مولف موسيقي أراد إصدار ضجة في العالم وقام بالمهمة حرفيا. حين أصبحت الأربع جوقات النحاسية واسعة في عمل Tuba mirum وأقسام لاحقة، الأثر مذهل كليا كما كان مقصودا. مع ذلك يوجد أيضا قدر كبير من الموسيقيى الهادئة والرفيعة في القداس يتراوح مع اللمسات النشطة لما هو فقط (كمثال للصفة الأخيرة أقدم الصوت الأوركسترالي الذي يصحب القداس. عرض مباشر يكون تجربة لا تنسى أو الاستماع لاسطوانة مدمجة للاقتراب قدر الإمكان للروعة من صوت كامل لمؤلف نادرا ما يكون مملا مصمم على أن يذهل السامع وينجح في ذلك.