Friday, October 24, 2014

Monteverdi

كلوديو مونتفردي

مشوار مونتفردي الفني يتصادف مع فترة من التغيير العميق في الموسيقى الأوروبية. منذ وقت جوسكان، أصبح المؤلفون بشكل متزايد يعنون بإيجاد أفضل طريقة لنقل معنى الكلمات التي يلحنونها. وقبل نهاية القرن السادس عشر بدأ المؤلفون المتقدمون في رفض البوليفونية لصالح شكل جديد من الموسيقى، يعرف بالمنودية، حيث يقتصر الميلودي على جزء واحد فحسب – أي أجزاء إضافية قدمت دورا سنيدا، حيث تملأ الهارموني أسفل اللحن، عادة في صورة التآلفات. الوضوح اللفظي المتزايد لهذه الطريقة الجديدة منح المؤلفين مجالا أكبر للتعبير عن الأفكار والعواطف ولم يهتم مؤلف أكثر بالتظاهر بالعواطف من مونتفردي. مع ذلك، فعل هذا ليس بالتركيز على أسلوب واحد فقط لكن باختيار أسلوب معين كلما يبدو مناسبا.

أعظم أعماله، الاوبرات والصلوات المسائية، تجمع بين نطاق من الطرق الموسيقية – من المنودية إلى كورس المادريجال – الذي نجحت في خلق شكل متكامل متنوع وفوق كل شيء درامي.

ولد مونتفردي في كريمونا في شمالي إيطاليا، كان ابن صيدلي يعمل حلاق وجراح أيضا. بعد الدراسة مع مارك أنطونيو إنجيجنري، مايسترو آكابيلا في كاتدرائية كريمونا انضم إلى بلاط الدوق التابع لأسرة جونزاجا في في مانتوا، حيث عمل هناك لأكثر من عشرين عاما كان هذا مناخ عمل مثقف للغاية وإن كان منغلقا نوعا ما: حيث كان الدوق فنسينزو الأول طاغية ومتقلب، وكان مونتفردي دوما يشعر أنه لم ينل التقدير الذي يستحقه. أسرة جونزاجا لم تكن واحدة من أقوى الاسر الإيطالية سياسيا لكنها عاشت حياتها بأناقة حيث وظفت العديد من الفنانين المهمين بمن فيهم الرسام روبنز والمايسترو آكابيلا للفرقة هو جياشي دو فيرت – وهو أثر قوي على زميله الأصغر منه سنا.

عام 1599 تزوج مونتفردي من إحدى المطربات في البلاط، وهي كلوديا دي كتانيس، وقبل عام 1601 أصبح مايسترو آكابيلا في بلاط الدوقة سانتا باربرا. أول أوبرا كتببها هي أورفيو عرضت عام 1607، بتكليف من فرانسيسكو الابن الأكبر للدوق. وفي نفس العام، وفاة زوجة مونتفردي تسببت له في الإصابة بالاكتئاب الشديد. عاد لوالده في كريمونا لكن تم استدعاؤه مرة أخرى للبلاط عام 1608 لكتابة أوبرا جديدة وهي أريانا، لحفل زواج فرانسيسكو جونزاجا. حقق العمل نجاحا ساحقا لكن عكس اورفيو لم ينشر قط ونجا منه جزء قصير فحسب وهو رثاء آريانا الجميل.

السنوات الأخيرة التي قضاها مونتفردي في مانتوا بدت مخيبة للأمل، و"صلوات المساء" الشهيرة عام 1610 نشرت بإهداء للبابا في محاولة لإيجاد وظيفة في روما. لم ينتج شيئا عن هذا، وحيث وصل فرانسيسكو جونزاجو لمنصب الدوق عام 1612، وجد مونتفردي نفسه قد طرد من الوظيفة مرة أخرى عاد لكريمونا قبل أن تعرض عليه بشكل غير متوقع وظيفة مايسترو آكابيلا في سانت مارك في البندقية. حسب المعايير الموسيقية الأفضل في سانت مرقص وبدوره لاقى التقدير المناسب حيث تمتمع بأجر كبير ومنتظم.

بعد الطاعون الرهيب الذي أصاب البندقية عام 1630 أصبح قسا وقد تكون سنواته الأخيرة انقضت بهدوء لولا افتتاح دار الاوبرا الحكومية الأولى في البندقية في سان كسيانو عام 1637. لباقي سنوات حياته كتب بانتظام للأوبرا لكن لسوء الحظ فقط نجا عملان "عودة عوليس" واحد أعظم أعماله وهو "تتويج بوبيا".

أشهر أعماله
أورفيو
أول أوبرا لمونتفردي تروي عن وفاة يورديس وكيف يتجول الشاعر والمطرب أورفيوس للعالم السفلي في محاولة لإعادتها من الموت. قوة موسيقاه تقنع بلوتو أن يسمح بعودتها، لكن يجب ألا ينظر أورفياس للوراء وهو يقودها للعالم العلوي لكن في اللحظة الأخيرة يفعل هذا ويخسرها مرة أخرى.

الرسيتاتيف هو الشكل السائد للغناء في حين الآريا، التي بنفس وضوح الأسلوب الصوتي المميز بوضوح، بالكاد يكون ظاهر. حتى اللحظة الهامة للأوبرا "الروح القوية"، حيث يستعرض أورفياس مهارته الصوتية من أجل دخول هادس وهو نعي مزخرف في الأساس. أقوى الألحان في "أورفيو" موجود في الريتورنيللو، الفقرات الآلية القصيرة التي تضبط الدراما. الريتورنيللو الافتتاحي – الذي يتكرر في نهاية الفصل الثاني وفي بداية الفصل الخامس – يتولى وظيفة تدل على عالم الأشخاص الفانين والقوة العلاجية للموسيقى. هذا الجانب الرمزي أيضا يظهر في التدوين، مع التمييز الواضح بين العالم السفلي، يمثله آلات الترومبون الكئيبة وعالم الأحياء المدونة أساسا للوتريات.

عودة عوليس للوطن
فجوة تزيد على ثلاثين عاما تفصل كتابة اورفيو من الأوبرا الثانية التي نجت لمونتفردي، "عودة عوليس" التي عرضت أول مرة في مسرح سان كسيانو عام 1640. الليبريتو لجياكومو بادورو مقتبسة من الأوديسة لهوميروس. في حين كان عوليس بعيدا لمدة عشرين عاما (حيث كان يقاتل في طروادة ثم حاول العودة للوطن إلى إيثاكا)، ظلت زوجته بينلوبي مخلصة له رغم تقدم العديد من الخطاب لها. عند نهاية الأوبرا تعقد بنيلوبي منافسة: كل من يسحب قوس عوليس سوف يفوز بيدها. يفشل كلهم باستثناء عوليس الذي يتنكر كشحاذ، ليس فقط يسحب القوس لكن يقتل كل خطابها. وبنيلوبي التي خافت من الخداع رفضت الاعتراف انه حقا زوجها لحين يصف الغطاء المزين لفراش الزفاف. “عودة عوليس" اكثر عمل مهمل من أوبرات مونتفردي الباقية، ربما لأنها الاكثر عمل يعرض في البلاط الملكي، مع ذلك نسيجه أكثر تنوعا من اورفيو. الرسيتاتيف ما زال الاداة الأساسية للتعبير هنا لكن الآريا تتحدث بانتظام لتكثيف الدراما – أهمها في الفصل الثالث.

تتويج بوبيا
اختار مونتفري موضوع كلاسيكي لآخر وأعظم أوبرا له، لكن هذه المرة من التاريخ بدلا من الميثولوجيا – أول وأشهر مثال من أوبرا تعتمد على الواقع. اختيار موضوع "تتويج بوبيا" قد يبدو ريبا، بما أنه يختتم بالانتصار الكامل لانعدام الأخلاق. الامبراطور الروماني نيرون يقرر ترك زوجته أوتافيا والزواج من عشيقته الجديدة بوبيا. حين ينتقد مدرسه الفيلسوف سينكا القرار يامر نيرون – بتحريض من بوبيا – بإعدامه. اوتيون عشيق سابق لبوبيا تبتزه أوتافيا لعمل محاولة لقتل بوبيا يفعل ذلك وهو متنكر كخادمة اوتافيا دورسيلا التي تحبه. فشله يؤدي إلى اعتقاله ونفيه ثم يطلق نيرون زوجته وينفيها وتنتهي الاوبرا باحتفال نييرون وبوبيا في فرح بنجاحها وحبهما لبعض في دويتو حسي ومؤثر. وثمة خصائص كثيرة تميز "تتويج بوبيا" من الأعمال السابقة لها، بعيدا عن احتمال أن تشمل موسيقى لأكثر من مؤلف واحد. توزيعها أقل من المستخدم في "عودة عوليس"، والموسيقى تتميز بالمزيد من التناقضات الواضحة بين الأقسام المتقابلة، مثلما في إعداد سنيكا للانتحار. الآريا هنا أطول وبارزة أكثر كذلك والشخصيات أعقد من أي شيء حاول مونتفردي كتابته من قبل – نيرون أكثر إبداعاته تطورا.

الصلوات المسائية
أسرة جونزاجا وظفت مونتفردي أساسا كمؤلف للموسيقى الدينية، ورغم أنه أصبح مايسترو آكابيلا عام 1601، إنتاجه الديني قليل نسبيا بعد تعيينه في كنيسة سانت مارك في البندقية. بلا شك أعظم إنجاز له في مجال الموسيقى الدينية كان مجموعة أعمال موسيقية للصلوات المسائية التي نشرها عام 1610. ثبت صعوبة التحديد في أي مناسبة كتب هذه الموسيقى، لكن مؤكد أن مونتفردي أراد نشرها كاستعراض مهاراته، فوق كل شيء لقدرته على الكتابة بفاعلية في عدة أساليب قديمة وجديدة. الصلوات المسائية تقدم تناول مسرحي استثنائي للموسيقى الكنسية مع نطاق من المؤثرات المذهلة في القداس، من النفير الافتتاحي إلى استخدام الصدى في الموتيت أو الزخرفة الدرامية للجزء المخصص لثلاثة مطربين تينور في النهاية ناهيك عن الكتابة لموسيقى الآلات.

 
المادريجال
الأغاني الدنيوية لمختلف الأصوات، تعرف بالمادريجال تطورت في إيطاليا في القرن السادس عشر وصلت أوجهها في بداية القرن السابع عشر. مونتفردي بالفعل نشر مجموعتين من المادريجال قبل وقت وصوله إلى مانتوا عام 1592. هذه الألحان من خمسة أجزاء تتميز بسحر كبير لكن تحت تأثير دي فيرن أصبح مونتفردي أكثر جرأة خاصة في استخدامه للتنافر. هذا شجع صاحب نظرية محافظ يعرف باسم أرتوزي على شن هجوم لاذع عليه. دفاع مونتفردي لاحقا ضخمه جيليو سيزار ظهر في مقدمة الكتاب الخامس للمادريجال، حيث يميز بين الأسلوب القديم للتأليف (الممارسة الشائعة) حيث حكمت الموسيقى الكلمات وأسلوبه الجديد (الممارسة الثانية) حيث حكمت الكلمات الموسيقى. من كتابه الخامس للمادريجال فصاعدا يصبح مونتفردي راديكالي بتزايد أدخل آلات موسيقية ويصبح الهارموني تعبير بتزايد وانقسم المطربون لمجموعات متقابلة.



معركة تانكريدي وكلوريندا

في الكتاب الثامن للمادريجال، بعنوان "أغاني المادريجال عن الحب والحرب" يوضح مونتفردي خطته الجمالية في مقدمة. ينظر إلى الأفكار الكلاسيكية، يجادل أن الموسيقى ينبغي أن تستحضر لدى السماع الحالة المتقابلة للهدوء والحرب والحب. هذا يمثله أحد أروع ألحان بيترارك وهو مثال درامي مذهل عن تلحين الكلمات حيث تنعكس تغييرات المزاج في تغييرات السرعة والصوت. هذه الخطوة نحو شكل مرئي للواقع الموسيقى (الأسلوب المثير) نراه حتى اوضح في مقطوعة درامية ضمن الكتاب الثامن "معركة تانكريدي وكلوريندا" وهو عمل غير مصنف ليس أوبرا تماما لكنه أكثر من مجرد مادريجال. عرض أول مرة عام 1624 في منزل أحد النبلاء في البندقية، يروي حكاية (خلال راوي أساسا) نزال بين سيدة متنكرة هي كلوريندا وفارس صليبي تانكريدي يوظف مونتفردي العديد من المؤثرات المقلدة المذهلة، بما فيها عدو الخيل وصليل السيوف، لكن جوهر العمل هو المفردات المعبرة. العرض الأصلي تسبب في دموع الجماهير.

No comments:

Post a Comment