Saturday, March 22, 2014

العصر الكلاسيكي

العصر الكلاسيكي
1750 – 1825
تتميز بعض العصور بالتناثر والمنافسة أخرى بالتكامل النسبي والعالمية والتعاون. عكس الفترات على كلا الجانبين، العصر الموسيقي نحو 1750 – 1825، الذي يمكننا أن تطلق عليه اسم "كلاسيكي"، كان عصر التكامل والسلاسة. كل أوروبا شاركت أسلوب مماثل وجمالي. التقنيات والأشكال والمواقف التي ظهرت في أول خمسين عاما من هذا العصر، عصر هايدن وموتسارت، كانت قوية جدا لدرجة أنه كان الأثر السائد على الموسيقى الغربية من حينها. هذا في الواقع تعريف مساعد للكلاسيكية: شيء يستمر كنموذج بسبب عناصره تمثل لكل العصور الوهم المعجز للإجادة. العصر الكلاسيكي في الموسيقى يميل للاتصال بالحركة المعروفة بعصر العقل التنوير الذي بدأ سابقا في القرن الثامن عشر. بعد التقدم العملي والعقلي للقرن السابق، مفكرون أمثال فولتير وديدرو ومونتساسكيو ولوك وجيفرسون وفرانكلين مهدوا الطريق لجدول إنساني جديد تقدم نحو مذهب الإنسانية والمجتمعات الديمقراطية، اعتمادا على اعتقاد أنه خلال المنطق والعلم تقدر الإنسانية على فهم العالم والتحكم في مصيرها، دون الاعتماد على المرسوم الخاص بالسلطة أو الآلهة التي قد تكون موجودة.

العقل هو الكلمة الفرعية للعصر: القدرة الاستنتاجية للإنسان كانت الوسيلة لاكتشاف النظام الحقيقي للعالم الطبيعي والنظام العادل للشئون الإنسانية. مثلما في القرن السابع عشر فرض ديكارت كل الافتراضات والنظم التفكير وبين فلسفة عقلانية جديدة من الأساس "أنا أفكر إذن أنا موجود" لذا عصر العقل نظر إلى الحقيقة المتلقاة في شك: الحقيقة لا تكتشف عنها الآلهة لكن يجب فهمها. في حين العقل يتم استحضاره من المحافظين لتبرير النظام الأرستقراطي القديم، العقل أيضا أداة يطوعها البشر مثل فولتير للمساعدة في الإطاحة بذلك النظام.


الشبه والتداعيات لهذه الأفكار كان له أثرا مدويا عبر التاريخ حتى عصرنا الحالي. ساعد في التأثير على الثورات الأمريكية والفرنسية في القرن الثامن عشر لاحقا، كما أدت لتحسين الطريقة العملية، مما أدى إلى التطورات التكنولوجية مثل محرك التجار وصناعة القطن والكهرباء. بدورها هذه التقنيات تسببت في الثورة الصناعية كجزء من هذا التقدم صعدت الطبقة الوسطى التي اعتمدت على الصناعة على النظم الأرستقراطية القديمة التي اعتمدت على امتلاك الأراضي آخر الأمر استخدمت النظام الاقتصادي الجديد المعروف بالرأسمالية للحفاظ والسيطرة على المجتمعات الديمقراطية الجديدة.


ما معنى التنوير للفنانين الذين لم يكونوا فلاسفة؟ يصعب توضيح هذا مع ذلك يوجد نقاط انسجام لا تقبل الخطأ وسط الفنون والسياسة والفلسفة في هذا العصر. بالنسبة للفنانين قالت روح الزمن: اسعى للبساطة والمباشرة والانسجام للتخلص من كل علامة غير ضرورية على القماش، كل نغمة ضرورية للموسيقى، ودعوا لجعل صور الحقيقة الموضوعية، ليس العاطفة الذاتية، تخلق ديمقراطيا للعقل والذهن والعين الشعبية مع تفادي فقط ما يفهمه النخبة، جعل أشكال صلبة تبنى لتدوم، الطبيعي والعقلاني والعالمي، يحب السعي وراء التجدد من الأساس الراسخ في التقاليد والعادات، والخضوع لصورة أبولو الباردة والسماوية، ليس ديونيساس الجامح الذي يدمر الأشكال رغم أنه في الموسيقى لم يعد أواخر القرن الثامن عشر متصل بالقاعدة أكثر مما كان في الماضي (في الواقع الفنانون الكلاسيكيون رفضوا أي قاعدة تبدو اصطناعية) اختار المؤلفون عمدا أن يكبتوا أنفسهم، ويختصرون ويتحدثون ببساطة ووضوح.


تبدو هذه المثل مجردة على الصفحة وليس لها تطبيق مباشر ومتوقع على الموسيقى والفنون الأخرى للفترة الكلاسيكية. مع ذلك في هذا التجريد يمكننا الاستيعاب بأفضل درجة الفرق المذهل في صوت وأثر باخ وهاندل عام 1750 ولهايدن وموتسارت بعد 25 سنة. وسيكون هايدن وموتسارت فوق كل شيء وضعوا الخطة لموسيقى المستقبل الذي أجادوا أهم تقاليد الشكل والإجراء في الموسيقى الكلاسيكية الغربية: السيمفونية والسوناتا والكونشرتو والرباعية الوترية والمبدأ غير العادي للتنظيم الموسيقي في السنوات اللاحقة يسميه قالب السوناتا.

للتنبؤ بالأسلوب الكلاسيكي يظهر في الباروك مرة أخرى تماما مثل بدايات الرومانسية تحركت في الفترة الكلاسيكية. في أوائل 1730، كتب الناقد الألماني جي إي شيب:
"الفن لابد أن يحاكي الطبيعة. لكن بمجرد تجاوز هذه المحاكاة يدان الفن. إنه ليس فن يمنح الجمال للطبيعة. كلما زاد إفراط الفن أبعد نفسه عن الطبيعة. لذا هي حقيقة أن الفن أكثر من اللازم يغطي على الجمال الحقيقي".

رغم أن شيب مبهم بشأن معنى الطبيعة من الواضح أنه يدين جوانب أسلوب الباروك – الزخرفة الثقيلة والكونترابنط الواضح والتقاليد الأوبرالية، اضطر يوهان سباستيان باخ في سنواته الأخيرة لسماع الكثير من الشكاوى عن "الإفراط في استخدام الفن" من المؤلفين الأصغر سنا والاكثر عصرية حوله في لايبزج ضمنهم بعض أبنائه.

التلقينا بشخصية فرنوسوا كوبران معاصر باخ وهو أستاذ فرنسي يتميز بالرشاقة والخفة والسحر. هذا يعتبر الأساس الذي يستخدمه معظم الجيل الفني للفترة الانتقالية المعروفة باسم الركوكو قرب منتصف القرن الثامن عشر. في الفنون البصرية كان الركوكو عصر الزخرفة حتى لا يعد من أذواق الباروك البذخ في الزخرفة والإخلاص للذة البحتة والجبات الجمالية لكل شيء عدا الحلوى. مؤلفو الركوكو ألغوا الكونترابنط فعليا والصفة الأساسية التي سعوا لها كانت الأناقة والبساطة والتنغيم وما هو نفيس في النهاية عادة السطحية كذلك. ضمن المؤلفين الذين ارتبطوا بالركوكو هم جابي سمارتيني وجي بي بيرجوليزي في إيطاليا وانتشروا حول أوروبا وأربعة أبناء ليوهان سباستيان باخ كلهم عصريين وأشهر مما كان والده – وهم فيلهلم فريدمان ويوهان كريستوف وكارل فيليب إيمانويل ويوهان كريستيان. رغم أنه لم يكن أي من الأربعة كانوا يقتربون من الفنان الذي كان عليه يوهان سباستيان، استغرق العالم وقتا طويلا ليدرك هذا. على أية حال، يوهان كريستيان وكارل فيليب إيمانويل يبرزان ضمن الأهم والأكثر المؤلفين المؤثرين في منتصف القرن الثامن عشر.

إضافة لمواهبه الأخرى يملك سباستيان باخ أفضل سجل في التاريخ كمدرس في التأليف الموسيقي. لكن مهم أنه حتى لم يتمكن من تعليم أبنائه الموهوبين أسرار عبقريته. من هذا يمكننا أن نحصل على استنتاجين محتملين: الأول أنه لم يعرف كيف كان عبقريا والثاني وهو الاقل احتمالا أنه عرف وأخبر أبنائه لكنهم لم يستوعبون ما قاله.

يوهان كريستان باخ وكارل فيليب إيمانويل باخ
أصغر أبناء باخ، عمل في لندن في الغالب وكان عادة يطلق عليه اسم "باخ لندن" لتمييزه عن الآخرين من الأسرة. تدرب أولا على يد والده واخيه الأكبر كارل فيليب ايمانويل، عمل يوهان كريستيان في إيطاليا لبعض السنوات قبل أن يستقر في لندن كما رأينا في مقطوعات مثل الكونشرتو الخامس للهاربسكورد أو البيانو الوتريات في مقام مي بيمول الكبير مصنف رقم 72 يلخص الركورو. خفة لمسته أثرت على جيل كامل من المؤلفين الملحوظ بينهم كان موتسارت البالغ من العمر ثمانية أعوام الذي صادقه يوهان كرستيان في لندن عام 1764. أهمية يوهان كريتسيان لتطور موتسارت الأسلوب سهل سماعه: السماع ليوهان كريستيان بشكل عرضي يشبه لحد ما موتسارت في عمل أقل مستوى له. بعض هذا الأثر ببساطة سعى وراء الأسلوب الجالانت العام في العصر الموجود في كل أنحاء اوروبا.


خلال كل عنصر وكل شكل على حدة بدأ الأسلوب الكلاسيكي يأخذ شكله أثناء الركوكو. مثلما وجهت كونشرتات الكيبورد ليوهان كريستيان باخ موتسارت، أثرت موسيقى البيانو ولأخيه كارل فيليب إيمانويل على مؤلفين من هايدن لبيتهوفن. في حين أسهم يوهان كريستيان بالخفة والرشاقة والوضوح الرسمي للحوار الموسيقى الأكثر إظلاما أضاف كارل فيليب إيمانويل المعروف باسم "باخ هامبورج" عنصرا أكثر ظلام سمي في هذا العصر باسم الأسلوب المعبر

رغم التدريب بطريقة أواخر عصر الباروك خلال والده، كارل فيليب إيمانويل كان لديه طبيعة نشطة دائما يبحث عن المادة الجديدة والتعبير الجديد. كما يكون بيتهوفن بعده كان مشهور لارتجالاته المشتعلة للكيبورد (على الكلافيكورد والهاربسكورد وفي السنوات اللاحقة على البيانو – كانت هذه فترة انتقالية لآلات الكيبورد). سوناتات الكلافيير أحيانا تشبه الارتجالات تتحرك تقريبا خارج السيطرة من الأناقة الشعرية لما يشبه الأعمال الشيطانية. بدأ يسعى لشيء حرمته منه اللغة الموسيقية لهذه الفترة – ربما نوع من التعبير الخاص ببيتهوفن. فقط السيطرة الشكلية لموتسارت وهايدن جعلت ظهور مؤلف لبيتهوفن أمرا ممكنا لكن كارل فيليب إيمانويل لا يملك نماذج كهذه. يظل شخصية غريبة ومراوغة ومدهشة في التاريخ. إعادة اكتشاف فنه ما زالت في مرحلة تقدم: نقطة البداية في أية حال هي سوناتاته للكيبورد.


مثلما غير ابتكار الأوبرا وجه الموسيقى وبدأ الباروك ظلت الأوبرا في القرن الثامن عشر بداية ما جرى في الموسيقى. كما لمحنا مع هاندل الأوبرا الجادة للباروك الإيطالية بدأت أخيرا في العزف تحت وزن التقاليد المبالغ فيها. الزمن تطلب عودة للبساطة النسبية والواقع على المسرح الأوبرالي. أو مؤلق يحقق هذه الحاجة كان كريستوف فيلبالد فون جلوك.

جلوك
جلوك عرف كيف كانت تقاليد الأوبرا الإيطالية عقيمة كتب نحو 24 أوبرا منها. كان ألماني المولد وتلقى تدريبا إيطاليا حقق نجاحات في لندن وألمانيا وانتهى به الحال في كتابة الأوبرا الجادة للبلاط الإمبريالي في فيينا. في الأربعينات من عمره تعرف جلوك على بعض الأشخاص المهتمين بإصلاح الأوبرا حيث تخلص من المطربين الخصيان ومهارتهم والحبكة السخيفة والآريا داكابو والتناقض بين الرسيتاتيف الجاف والأريا المزخرفة. هؤلاء المصلحون حثوا جلوك على اتباع أهداف المبتكرين الاصليين للاوبرا وجعل الموسيقى تخدم الكلمات والدراما.

أن تكون مؤلف قدير ومحترف ماكر يمكنه معرفة من أين تهب الرياح حمل جلوك هذه الافكار وحملها بعبقرية حيث بدأ بعمل "اورفيو في يورديس" الذي أنتج في مسرح بيرج في فيينا سنة 1762. لاحقا كتب "ألسيست" في المقدمة التي أعلنها جلوك – أنها مبدئية ومبدأ العمر: "أسعى أن أجعل الموسيقى تقتصر على الوظيفة الحقيقية لخدمة الشعر بالتعبير عن المشاعر ومواقف القصة دون زخارف سطحية. أؤمن أيضا أن الجزء الأكبر من المهمة هو السعي للبساطة الجميلة، وتجنبت عرض الصعوبة على حساب الوضوح. لم أخصص قيمة لاكتشاف شيء جديد ما لم يكن طبيعي مقترح من الموقف والتعبير ولا قاعدة أني لا أفكر وأنا أرغب في هذه التضحية لصالح الحصول على أثر ما".

مع ذلك هاتين الأوبرتين الرائدتين لم ينالا إعجاب الجمهور في فيينا. نجاح جلوك المدوي حدث إلى جانب أكثر النضال المرير له في باريس أثناء 1770. أحضره إلى أوبرا باريس طالبته المطربة ماري أنطوانيت أنتج عملي أوبرا فرنسية مأخوذة عن أسطورتين لهومر "إفجين في أوليد" و"إفجين في توليد". هذه الأعمال أحدثت إشارة. الصحفيون الفرنسيون والجمهور اصطفوا في الصفوف المؤيدة والمعارضة اشهر المعارضين كان مؤلف الاوبرا نيكولو بتشيني. أخيرا كل العالم الموسيقي ظهرت الحرب بين انصار جلوك وانصار بتشيني والدعاية لهما والتآمرات والتخريب. من جانبهما ابتعد المؤلفان نسبيا عن الشجار، في الواقع لم يكن بتشيني فخورا لسرقته بعض والإصلاحات التي قام بها خصمه.

سنة 1779 تصوره للدراما الموسيقية تحسن لكنه أصبح مسنا ومعتلا، تقاعد جلوك في فيينا حيث كان مؤلف للبلاط الإمبريالي للإمبراطور جوزيف الثاني واحد من الطغاة المستنيرين في العصر الذي سن إصلاحات هامة اجتماعية واقتصادية بما في ذلك إلغاء العبودية. كان جوزيف أيضا راعي للفنون فكان سخيا مع جلوك لكن لاحقا كان بخيلا مع موتسارت". اصيب جلوك بالشلل بسبب السكتة فقضى سنواته الاخيرة كشخص هام مكرم وسخي. نجده يصفق لعمل موتسارت "اختطاف في السراي" سنة 1782، لكنه فضل خصم موتسارت سالييري. توفي جلوك في فيينا سنة 1778.


يذكر التاريخ جلوك كأهم مؤلف للأوبرا بين مونفردي وموتسارت. تأثيره المباشر واضح في فرنسا بعد عقود كان هكتور برليوز يضع أوبراته ليس اقتداء بموتسارت لكن لجلوك. ما زالت الواقعية التي استعادها جلوك للأوبرا أفادت كل مؤلف درامي من حينها – من موتسارت الى فاجنر ووراءه. تفادى جلوك شكل داكابو وهدأ التناقض بين الرسيتاتيف والآريا حيث جعل كل من الموسيقى والدراما أكثر استمرار وغلف كل شيء في نسيج اوركسترالي غزير. فاجنر كان يطور تلك الافكار اكثر.

للجماهير الحديثة يميل جلوك مثل يوهان سباستيان باخ لتبدو مثل اعمال موتسارت. يتحدث باللغة الكلاسيكية النظيفة مع كل لياقة لكن اقل من الحدة المعبرة والتقدم الذي حققه هايدن وموتسارت. مع ذلك يوجد جمال وعمل مسرحي هائل في افضل اعماله بالاخص في اورفيو وافجيني في توريد. اوصى بسماع هذه مباشرة أو في فيلم عند مشاهدة مثلا مشهد اورفياس تحت الارض كما كان مقصود ان يكون مع البطل وسط الحريق والجحيم يمكن فهم اثر فنان على عصره عكس معظم المصلحين قدم تصريحات ثورية بصوت متواضع وجاد.


الان الشخصيات الاقل اهمية مهدوا الساحة للمؤلفين الاساسيين هايدن وموتسارت اللذين ابتكروا المثل العليا الكلاسيكية وبيتهوفن الذي عند اتخاذه واعادة استخدامه للاشكال من سابقيه جعلهما اكثر شخصية واكثر عالمية. موقع القصة سيدور كليا حول مكان واحد: فيينا العظيمة الفاسدة غير المستقرة والمحبة للموسيقى.

Wednesday, March 19, 2014

أنطونيو فيفالدي

أنطونيو فيفالدي
يصعب التخيل الآن لكن ليس منذ فترة طويلة كان يمكن للمرء تناول العشاء في مطعم جميل دون سماع "الفصول الأربعة" لفيفالدي. رغم أنه واحد من أهم مؤلفي الباروك، أعيد اكتشاف موهبته الكاملة فقط في منتصف هذا القرن. من كونه في أمريكا على أية حال – هوس الكثير من مشغلي الأسطوانات في الخمسينات، ذهب في طي النسيان. وكان في عصره مشهورا إلى أن سأمت منه البندقية ولم تعد تهتم بأمره. مع إنتاج فيفالدي الموهوب لا عجب أنه ألف معظم أعماله على حبكة تلقائية. أفضل عمل له مبهج بشكل مضمون وشيء تلهف يوهان سباستيان باخ ضمن آخرين على دراسة أعماله وأحيانا سرقتها.

ولد أنطونيو فيفالدي في البندقية في 4 مارس 1678 وفرضا درس الكمان مع والده الذي كان يعزف في كنيسة سانت مارك. كان فيفالدي الشاب عازف كمان ماهر يخطط بوضوح لمشاور فني في الموسيقى، مع ذلك قضى عشر سنين ليدرس ليصبح قس سنة 1703. ذلك العام نفسه اكتسب أيضا مهنة موسيقية دنيوية في البندقية قد تشغله لمعظم حياته. سرعان ما توسل لألا يغني في القداس وواجباته الأخرى كقس. حيث ادعى أنه نفسه قصير ربما بسبب ضيق في التنفس. لكن لاحظت السلطات أن هذه الطاقة في كل شيء آخر يفعله هي أمر خارق.

الوظيفة الأولى لفيفالدي قد تبدو غير متصلة ببعضها لكنها كانت في لاوقع مرموقة: فكان مدير موسيقي ومؤلف ومدرس كمان لدار الأيتام للفتيات وكونسرفتوار الموسيقى في نفس الوقت. مثلما تبدو البندقية تحتشد مع الأطفال غير معروفي النسب كانت هناك أربعة دور للأيتام في المدينة كلها قدمت تدريب موسيقي جاد. توافد الجماهير أيام الآحاد بانتظام وحفلات العطلات لرؤية الفرق الصغيرة التي كانت تتألف من الفتيات المراهقات يعزفن ويغنين بخبرة.

على مدى 35 سنة كتب فيفالدي الكونشرتات ومقطوعات مماثلة لحفلات دار الأيتام ووصل إجمالي عدها 400 عمل من هذا النوع وحده. ينسب لسترافنسكي قول أن فيفالدي كتب نفس الكونشرتو 4300 مرة. بالتأكيد يوجد الكثير يعاد فبركته وتوقعه سلفا في هذه المقطوعات لكن نجد أيضا الكثير من السحر والجمال وإضافة للتنوع أكثر مما نسب سترافنسكي لفيفالدي الفضل له.


بالنسبة للجمهور الإيطالي في كل عصر، الذي كان متعطش بشدة لأحدث موسيقى، كان فيفالدي المؤلف الأمثل لذلك. كانت البندقية بشكل خاص مدينة مجنونة بالموسيقى من الشوارع للصالونات للمسارح والبلاط الملكي. أعلن زائر بريطاني أن الموسيقيين على جانب الشارع في البندقية عزفوا بنفس جودة العازفين فوق المسرح في الأماكن الأخرى. أثناء حياة فيفالدي عرضت 600 أوبرا في مسارح المدينة. (الحفلات العامة لموسيقى الآلات ظهرت أول مرة في عصر الباروك. رغم إن إنجلترا وفرنسا كانوا الرواد في هذه الحفلات، عرضت الأوبرا الإيطالية للجمهور من افتتاح أول مسارح في 1630).

والكونشرتات ليست الأعمال الكبرى الوحيدة للقس الأصهب مثلما أطلق الجمهور الإيطالي على فيفالدي لشعره الأحمر الناري ومهنته الاسمية. أيضا أنتج 49 أوبرا أو نحو ذلك بقى منها 21 لكن نادرا ما تعرض، 90 سوناتا صولو وثلاثية والعديد من أعمال الكانتاتا والموتيت والأوراتوريو وأعمال أقل. زعم فيفالدي أن بإمكانه تأليف كونشرتو أسرع مما يمكن لناسخ أن ينسخه وعلى الأرجح لم يكن يقل هراء. حين طلب منه زائر ألماني سنة 1715 كتابة بعض الأعمال في قلب الكونشرتو عاد فيفالدي بعد ثلاثة أيام ومعه عشرة كونشرتات.

كانت هذه الأيام الجيدة في عصره حين كانت موسيقاه تعرض باستمرار في البندقية وغطى أثره على أوروبا. قضى معظم وقته في الطريق، يعزف ويراقب إنتاج موسيقاه. في ألمانيا درس باخ مدونات فيفالدي ونسخها للعرض ووزع بعضها لآلات أخرى. من أسلوب فيفالدي القوي استوعب باخ دقة جديدة في اللحن والشكل ودروس مفيدة في الإيقاع.


"الأربعة فصول"، مجموعة كونشرتات صولو عددها أربعة كتبها سنة 1725 حققت نجاحا ساحقا في عصر فيفالدي ومرة أخرى في عصرنا. هذه الكونشرتات تستعرض شخصيته في شكلها الآسر – دون عمق كبير في المشاعر أو براعة كونترابنطية لكن دافع إيقاعي يمر دون كلل خلال الحركات الحركات السريعة، الألحان الغنائية الرائعة في الحركات البطيئة، الوضوح الكبير في النظام الرسمي خلال العمل بأكمله والخيال الملحوظ في الكتابة للوتريات.


كان فيفالدي يلقى التقدير بسبب مهارته في العزف على آلة الكمان قدر ما هو ماهر في كتابة الموسيقى. وصفه أحد الهواة الموسيقيين كان يزور المدينة عند سماعه أول مرة "قرب نهاية (الأوبرا)، عزف فيفالدي صولو مثير للإعجاب ليصحب الآريا في نهايتها أضاف ارتجالا أخافني حقا، فأنا أشك أي شيء مثلها حدث من قبل، أو سيحدث ثانية. لقد حدث في كل الوتريات الأربعة، مع المحاكاة وبسرعة مذهلة".

كما رأينا في "الفصول الأربعة"، كتابته للوتريات أيضا لا تشبه أي شيء سمعناه من قبل. يجد المرء السلالم الموسيقية الطائرة والأشكال التآلفية المتحركة عبر الوتريات، محاكاة الطيور والغمغمة. بعد قرون من الأعمال الموسيقية حيث كل الأجزاء الغنائية والآلية مالت لأن تكون بالتبادل، ابتكر عصر الباروك وفوق كل شيء فيفالدي موسيقى بدت صوت الآلة تتحدث عن طبيعتها الفطرية. مبادرات فيفالدي في هذا النوع من الكتابة الاصطلاحية متبعا ريادة كوريلي كانت ذات أهمية لا تحتسب في تطور موسيقى الآلات في العصر الكلاسيكي وما بعده.

فيفالدي ايضا وضع الحدود الرسمية القياسية للكونشرتو جروسو، الذي يتبعه باخ وآخرون: بشكل عام ثمة ثلاث حركات، سريع-بطئ-سريع، الحركات أسرع لها تبادل درامي بين أقسام توتي وصولو تتحرك خلال المقامات المختلفة، وعودة مع إلقاء الضوء للمقام الأساسي قرب النهاية (الفكرة الأخيرة صارت سمة أساسية لقالب السوناتا الكلاسيكية). على العكس الحركات الوسطى الغنائية مع ألحان طويلة غالبا تماثل آريات الأوبرا، متوقع من عازفي الصولو زخرفة هذه لتناسب الذوق. في سلاسة الشكل إضافة لميله لتقليل الكونترابنط لصالح صوت هموفوني، كان فيفالدي أكثر تقدمية وهو دليل على الأسلوب الكلاسيكي القادم، أكثر مما كان باخ.

بعد 1730 بدا الجمهور الإيطالي يسأم من فيفالدي. السلطات الكنسية أساءت معالمته لتجاهل المهام الخاصة بالقس وبسبب علاقاته طويلة الأمد مع سوبرانو معروفة. عام 1738 مع 35 سنة من الجهد الكبير لهم طرده مدراء دار الرحمة. بعد عامين قام فيفالدي برحلة يائسة لفيينا على أمل الحصول على الدعم من الراعي القديم وهو الإمبراطور تشارلز السادس، لكنه وجد الإمبراطور قد مات. بعد عدة أشهر صعبة في فيينا توفي فيفالدي في يوليو 1741. دفن في مقابر الفقراء.

لن أذكر الكثير من الأعمال بالتفصيل هنا لأن غير متوقع أن يبحث الشخص عن مقطوعات معينة لأنه ببساطة "سماع فيفالدي يشبه مشاهدة مباراة كرة القدم": إنه دائما هنا، دائما مختلف لكن دائما نفس الشيء، شيء مبهج وغير مقتحم. في هذا يماثل بعض النوع من موسيقى الباروك وهذا أحد الأسباب لشعبيته الحالية.


عمل "الفصول الأربعة" الخالد هو مجموعة كونشرتات ذات برنامج، واحد يمثل كل فصل، يتبع بالحرفية دون خجل نصوص أربعة مقطوعات سونيت. في الموسيقى مثلما في القصائد، الطيور تغرد، نسمة الهواء تتحرك، الرعد يدوي، الذباب يطن، المزارعون يرقصون، الكلاب تصيح، وفيفالدي لديه وقت قديم رائع بعضه خاصة بأكثر موسيقى آسرة وحيوية له. المرء يرى سبب إعجاب معاصرين بعمله الغريب وتقلبه المزاجي. روائع هذه المقطوعات ليست فقط كيف يتقرح مذاق كل موسم، لكن أيضا كيف يحافظ على هذه الصور المفصلة للنص من السقوط لتصبح أجزاءا صغيرة. سحريا تتدفق الموسيقى بدقة ووحدة مثل أي شيء كتبه.


ضمن أجمل كونشرتاته واحد للكمان يعرف باسم "لاموروزو"، بسبب نبرته العاطفية، الحركة الأولى بشكل خاص لها طابع خفيف ومبهج مثل يوم صحو في مايو. يبرز وسط الأعمال الأخرى للكونشرتو هو مجموعة من 12 عمل يعرف باسم "نزوة هارمونية" مصنف رقم 3، الذي نشر عام 1712. أظهر بالفعل أسلوب فيفالدي، ثبتت هذه الأعمال سمعته إضافة إلى كوريلي في مقدمة المؤلفين لموسيقى الآلات الايطاليين رقم 11 في مقام ري الصغير، وهو كونشرتو جروسو به مجموعة كونشيرتينو صولو من آلتي كمان وتشيللو، يفتتح الحركة الأولى والأخيرة مع أقسام محاكية نشطة قبل التوتي تدخل بشكل درامي. الحركة الثانية تغزل لحنا جميلا للكمان الصولو بأسلوب رقصة بطيئة تعرف باسم سيسليانو. مثل المعتاد في موسيقى الباروك، في الكونشرتو من مقام ري الصغير يعزف الهاربسكورد خلال العمل بالكامل، مرتجلا جزء الباص المستمر من خط الباص المرقوم، حيث يحلل النسيج ويقدم الدافع الإيقاعي.

وزع باخ ستة من كونشرتات فيفالدي (نزوة هارمونية) للأرغن أو الهاربسكورد. كان أكثر توزيعات باخ المربكة وهو كونشرتو في مقام لا لأربعة آلات هاربسكورد والأوركسترا، من كونشرتو الصولو من مقام ري الصغير لفيفالدي. كانت نسخة باخ لها طابع مغرد يفتقر للطابع الثقيل للعمل الأصلي، لكن كلاهما كان له دافع إيقاعي.


لم يكن فيفالدي فقط واحد من أكثر مؤلفي الباروك المعدين وغزيري الإنتاج، كان أيضا مسئولا عن بعض أكثر الأفكار الموسيقية إنتاجا في عصره وكان له أثرا حيويا على الجيل التالي. نادرا ما نجح أي فنان هام في أن يقدم مثل هذا القدر من المتعة.

Tuesday, March 18, 2014

يوهان سباستيان باخ

يوهان سباستيان باخ
في واحد من اللمسات الادبية أحيانا للآلهة، الاسم باخ هو كلمة ألمانية تعنى الجدول وموسيقى باخ هي واحدة من الينابيع التي لا تنضب من الموسيقى الغربية. حتى اثناء القرن بعد وافته حين قلما كان يعرض ألهم تأثير كل من يلمسه من بينهم موتسارت وهايدن وبيتهوفن ومندلسون. اليوم باخ هو الجزء الأكبر من التيار العظيم للموسيقى الغربية استوعب عمله قلوب وعقول الموسيقيين والسامعين في كل مكان.

نعرف عن حياة باخ القليل مقارنة بالسادة اللاحقين في الموسيقى. بدلا من الأداء كعازف ماهر مجهول كان يبقى في منزله ويؤدي عمله ووجد معظم وظائفه على بعد خمسين ميل من مسكنه. لمن عرفه كان ببساطة عازف الأرغن والمؤلف في البلاط أو الكنيسة حرفي ماهر ليس نوع الشخص الذي يهتم بوصفه أو حفظه. من حياته ترك وارءه عدة رسومات لشخص غير محدد المعالم وبعض الرسائل التجارية في الغالب توصيات الطلاب والتوسل للنبلاء عدة نوادر بعض الأبناء الناجحين الذين تذكروه بحب واحترام وموسيقاه. ربما إذا عرفنا كما نعرف بيتهوفن أكثر عن مثله العليا وآماله وحبه وغضبه وذوقه في الطعام والخمر نشعر برهبة أقل منه. لكن باخ الإنسان وراء مجموعة الأعمال الرائع ولذا صعب تخيله أي شيء عدا شخص خارق.

ولد يوهان سباسيتان باخ في واحدة من أكثر العائلات الموسيقية الاستثنائية في التراخي، في المدينة الألمانية أيزناخ في 21 مارس 1685. كان والده يوهان أمبروزياس باخ عازف كمان توقع من أبناءه اتباع مهنة العائلة. آل باخ كان موسيقيين ألمان لوثريين لستة أجيل في احد العصور في اوائل القرن ال18 شغل 30 رجل اسمهم باخ منصب عازف الأرغن في ألمانيا في ثورنجيا اقليم كانت كلمة باخ مترادفة مع كلمة موسيقى.


من والده حصل سباستيان على أول تدريبه الموسيقي على آلة الكمان لكن هذا لم يدم طويلا فماتت أمه حين كان عمره تسع سنوات ووالده مات في العام التالي. أرسل سباستيان للعيش مع أخيه الأكبر يوهان كريستوف باخ، عازف أرغن في أودروف. هذا الأخ اهتم بتعليم أخيه اليتيم موسيقيا وأكاديميا – على ما يبدو كان يشعر بالضغينة نحوه. أحد القصص القليلة التي بقت عن شباب سباستيان هو أن أخاه كريستوف منع الطفل من استخدام أفضل مجموعة لديه من موسيقى الأرغن. إبداء الفضول كان يميز حياته فوجد سباستيان السبيل لاستخراج الكتاب من الدولاب وقضى ستة أشهر ينسخ المجموعة في منتصف الليل ربما أسهم هذا في ضعف بصره طوال حياته. حين أمسك به أخوه وهو يفعل ذلك أخذ منه النسخة بقسوة.


بعد خمس سنوات من الإشراف القاسي لأخيه أرسل سباستيان الى لونبرج ليكمل دراسته اثناء الغناء في جوقة الكنيسة حيث أدى أدوار السوبرانو الألطو هو وأخوه في ذلك العصر. حين تغير صوته مكث كعازف هاربسكورد وكمان في الكنيسة، مهاراته في كل جوانب الموسيقى تطورت. في التأليف علم نفسه ظاهريا. قصة من تلك السنوات تظهر تصميم باخ دون كلل لتحسين حرفته: بعد ثلاثين ميلا في هامبورج عمل العازف الأسطوري رينكن، ومرار قام باخ بالرحلة سيرا على الأقدام لهامبورج ليستمع الى عزف الأستاذ المسن.


عام 1703 تولى أول منصب هام له، كعازف أرغن لكنيسة سانت بونيفاس الجديدة في أرنشتات. بعد ذلك بوقت قصير بدأت خلافات مع مستخدميه ميزت مشواره الفني – وهي دليل على الطموح الإبداعي الذي تجاوز ظروفه، ومقاومة عنيدة للصلح وميل للتغلب على العقبات. وألقي عليه اللوم للمزج بين صلاة الجماعة والترانيم المصاحبة مع التنويعات الغريبة والزخارف غير المتصلة"، بدا مشغولا أكثر من اللازم حتى لم يستطع عمل بروفة للجوقة، الترانيم المرتجلة كانت أطول من اللازم (عند سماع هذا، عاند وتعمد في جعلها أكثر من اللازم)، دخل في مشاجرة في الشارع مع عازف باصون قارن عزفه بالماعز. أكثر إثارة أنه دعا فتاة غريبة في الجوقة لتغني واتضح أنها ابنة عمه ماريا باربرا باخ التي تزوجها عام 1706.

ما زالت السلطات لا تشعر بنفس التسلية من حادثة الأخرى. أعطت باخ عطلة شهر لسماع عازف الأرغن والمؤلف الشهير بوكستهود في لوبيك، على بعد 200 ميل. باخ قام بالرحلة سيرا على الأقدام ومكث يستمع ويدرس لخمسة أشهر. ربما سعدت سانت بونفيس برؤية باخ يتحرك لمنصب عازف أرغن في مولهاوزن سنة 1706. في هذا الوقت كان لديه عدد من الأعمال الموسيقية تنسب له – في الأساس أعمال الكنتاتا وأعمال للهاربسكورد والأرغن. مكث في مولهاوزن لسنة قبل تولي منصب له أجر أفضل كعازف أرغن ولاحقا قائد الحفلات للدوق المحب للموسيقى فيلهلم إرنست من فايمار.

بذل باخ مجهود في فايمار لتسعة أعوام، خلال كتب بعض أعظم أعماله للأرغن والفوجات. استيعاب عمل السابقين الألمان مثل بوكستهوده ورينكن، درس الآن أعمال المؤلفين الإيطاليين خاصة فيفالدي، ينسخ ويوزع الأعمال الموسيقية للعرض. أخذ بعض من الوعي اللحني لفيلفالدي وطاقته الإيقاعية حيث أضفى على صوته الألماني الكئيب لمسة من الإشراق الإيطالي. لاحقا درس الأسلوب الفرنسي مع تحقيق نفع مماثل.

لبعض الوقت كان باخ سعيدا في فايمار. كلن عام 1717 القائد الموسيقى لدى الدوق مات ولم يقع الاختيار على باخ ليحل محله. من الواضح أن هذا لم يعجبه. طلب من الدوق الاستقالة. رد فعل فيلهلم على هذه الوقاحة من الخادم كان سجن باخ لثلاثة أسابيع. أخيرا حصل باخ على الإذن بالمغادرة لوظيفة جديدة كان أعد لها بافعل كقائد موسيقي لدى الأمير ليوبولد في كوتن.

ليوبولد الشاب غنى وعزف عدة آلات جيدا. باخ قاد أوركسترا من 18 شخص من موقع عازف الكمان الأول، وغالبا كان الامير يجلس. أثناء ست سنوات قضاها في كوتن ركز باخ على كتابة موسيقى دينية تناسب بلاط النبلاء – كونشرتات من أنواع عديدة، موسيقى الحجرة والكثير من موسيقى الكيبورد بما في ذلك الكتاب الأول للكلافيير العدل وكتاب الابتكارات الصغير.

كتاب الابتكارات كان في الأساس مقطوعات تدريب لأسرته متزايدة العدد. كان باخ والد لعشرين طفل وهي حقيقة كان الموسيقيون يسخرون مها منذ ذلك الحين. لكن في هذه الأيام مال الرجال التجار في تكوين عائلات كبيرة، جزئيا للحصول على العمالة المجانية: الزوجة ماريا باربرا والأطفال كانوا يتلقون العليم الموسيقي من باخ لكن أيضا كانوا يساعدونه في نسخ النوت الموسيقية – ابنه الثالث كارل فيليب إيمانويل باخ كان يذكر منزل العائلة أنه دائما يصدر طنين مثل خلية لانحل – المنزل ملئ بالأطفال والزوار، الأب يعطي الدروس، الحفلات الأسرية المنتظمة، الليل والنهار صوت قلم باخ على ورقة النوتة الموسيقية.

الحياة في تلك الأيام لم تكن قط دون ظلال قاتمة. كان متوسط حياة المرء أربعين سنة تقريبا، ونصف أبناء باخ ماتوا قبل سن النضج، كما حدث مع أبناء باخ. أضعف الإنجاب أجسام النساء وفي صيف 1720 عاد باخ من عطلة مع الأمير ليجد ماريا باربرا قد ماتت. أنجبت له سبعة أطفال. لا نعرف مدى حزنه على وفاتها لكنه بعد عام تزوج آنا ماجدالينا فولكين التي بلغت عشرين عاما، ابنة عازف الترومبت في البلدة. كانت مساعدة رائعة له، ودليل على حبه لها هو الكتاب الصغير لمقطوعات الكيبورد الذي جمعه لها ليعلمها والكثير من أجزاء العزف كتبتها بخط يدها.

قرب وقت زواج باخ الثاني تزوج الأمير ليوبولد من ابنة عم له لم تبالي بالموسيقى وبالتالي انتهى دور قائد الفرقة الموسيقية. مرة أخرى بدأ باخ في البحث عن وظيفة أفضل واستقرت آماله على كنيسة سانت توماس في لايبزج.


مدير الجوقة في سانت توماس يوهان كيناو مات وكانت الوظيفة شاغرة. بما أنها كانت أحد أهم الوظائف في ألمانيا، نم الطبيعي أن الكنيسة عرضت المنصب على أشهر مؤلف متاح – ليس باخ ولكن جورج فيليب تيلمان، صديق باخ وعراب كارل فيليب إيمانويل. في البداية وافق تيلمان لكن رفض حين رفعت الكنيسة القديمة راتبه. كان الاختيار الثاني هو كريستوف جروبنر الذي لم يتمكن من ترك وظيفته الحالية. في عام 1723 أخيرا استقر رأي الكنيسة على المرشح رقم 3 وهو باخ، فعمل في كنيسة سانت توماس لباقي حياته.


مقارنة مع مناصبه السابقة، كان هذا منصبا محترما وعالي الأجر. كانت لايبزج مركز عالمي ثقافي وتجاري بها نحو 30 ألف شخص وبها جامعة. كونه قائد منشدي شانت توماس باختصار وهو منصب جيد مثلما طمح فنه أي شخص كباخ، ومنح فرصة بلا حدود للتأليف والعرض. مهامه تضمنت المسئولية عن كل موسيقى كورالية وآلية في الكنيستين سانت توماس وبالتالي سانت نيكولاس وتيار مستقر من الأعمال الكبرى والصغرى. في تلك الأيام يجب تذكر أن معظم الموسيقى المعروضة كانت موسيقى جديدة. لكن حسب معايير اليوم عاش باخ فعليا كالعبد. شغلت أسرته غرف في مدرسة سانت توماس قرب الكنيسة ينفصل عنها فقط قسم صغير من مدرسة داخلية تضم 50 فتى يغنون في الجوقة مقابل المنح الدراسية في المدرسة. لا يمكنه الخروج من البلدة دون إذن. ظروف المعيشة في المبنى لم تكن صحية حتى أن أول 8 من أطفاله الذين ولدوا في لايبزج مات منهم ستة.

في الحال وقع باخ في معارك مع رجل الدين ومجلس البلدة بشأن الانضباط في المدرسة والظروف الموسيقية أدنى من المستوى، مع النتيجة أنه وسم بأنه غير قابل للإصلاح وكاد أن يخسر وظيفته آخر الأمر ظهر رجل دين جديد أعجب بباخ وهدأت الأمور. لكن دائما كان هناك شجار مع السلطات مع إلحاح باخ ليأخذ حريته مع الموسيقيين.


ولم ينتقد قط لقلة إنتاجيته كان يتوقع أن يؤلف بانتظام وفعل هذا بشكل استثنائيتضمن إنتاجه في أول عقود في لايبزج نحو 265 من إجمالي 295 كنتاتا مدة كل واحدة تقريبا 20 دقيقة، خمسة قداسات، ستة موتيت، أربعة آلام، ثلاثة أوراتوريو، 12 عمل للأرغن، موسيقى الكيبورد تشمل الجزء الثاني من الكلافيير المعدل. نوت لأعمال آلية أخرى، مئات الهارموني الكورالي كل هذا فوق البروفات اليومية ومهام الأداء وتعليم أسرته وطلاب خصوصيين.

هذه الإنتاجية لم تكن غير مسبوقة لذلك العصر، حيث كان مطلوب من المحترفين العمل بإيقاع قاتل تقنية التأليف كانت ملزمة بالقواعد جزئيا لأنها اكتسبت سرعة. فيفالدي وتيلمان ضمن آخرين تفوقوا على باخ في الإنتاج. لكن ما افتقره المؤلفون الآخرون مقارنة بباخ لم يكن فقط الصفة المعروفة بالعبقرية، لكن أيضا التصميم دون كلل للاكتشاف والتطوير – تبقى موسيقى تيلمان لهذا اليوم كدليل على شخص محترم يؤدي وظيفته، غالبا بأناقة وسحر يثيران الإعجاب. لكن باخ قلما يبدو ببساطة يؤدي وظيفته؛ يبدو يلح دائما لاستخراج التعبير بالكلمات وأعمق كشف عن المادة الموسيقية.

هذه الطاقة الإبداعية المعجزة نراها في كل مستوى من عمله. نراها في نضاله المستمر لتحسين الحياة الموسيقية كنيسته. نراها بالأسلوب الذي كتب فيه الزخارف الميلودي للباروك بدلا من استخدام الرموز المختصرة المعتادة، بهذه الطريقة حصل بالضبط على الزخارف التي أرادها من اللاعبين، على حساب استغراق وقت أطول لنسخ المقطوعة. استخدم الكثير من تسلسلات التآلفات المعتادة والصيغ اللحنية للعصر؛ لكن حيث كان المؤلفون الآخرون راضين لعزفها ميكانيكيا، عادة وجد باخ طرق لتحويلها لإيماءات جديدة. رغم أنه في إنتاجه الهائل يوجد نسبة محتومة من عمل أقل إلهاما، متوسط جوده عمله كنت أعلى من أي مؤلف آخر. ربما فقط 15 % من عمل هايدن وأقل من عمل هاندل يبقى في برامج حفلات الموسيقى المعتادة. تخمين دارس الموسيقى هو أن نص إنتاج باخ يعرض ويسجل بانتظام.

بدلا من السفر ونشر شهرته، أداء دور العازف الماهر مثلما فعل باخ الأشهر، دائما باخ مكث في المنزل حتى اقتصرت لإقليمه واهتمت أساسا بعزف الأرغن. معظم من سمع باخ اعتبره أعظم عازف أرغن عاش على وجه الأرض، البعض قال أن بإمكانه العزف على بدلات الأرغن بقدمه أكثر مما يمكن لمعظم الناس على لوحة المفاتيح بأصابعهم. نشر فقط نحو عشر مقطوعات ومجموعات في حياته، بالأخص مقطوعات تعليمية تعرف باسم "التدريب على الكيبورد"، كلمة كلافيير هي المصطلح العام لأي آلة مفاتيح. نسخ المسودات لموسيقاه تم تداولها، لكن الكثير خاصة من أعمال الأرغن قيدت قدرة الموسيقي العادي.

معظم عمله يتم بشكل أو آخر، بروح دينية. أساس موسيقاه كانت الترنيمة اللوثرية المعروفة بالكورال التي تحدد معظم كتابته اللحنية مثلما يحدد الترتيل الجريجوري أعمال المؤلفين الكاثوليك في نهاية أعمال باخ الدينية تظهر عبارة "إلى الله وحده المجد". حتى في موسيقاه الدنيوية كان غالبا يكتب في رأس الرسائل كلمة "باسم المسيح". قدر ما يتعلق به، كل نغمة كتبها احتفلت بمجد الله. هذه الروح مصدر السعادة التي تظهر دوما في عمله مثل الأصوات المبهجة لمقطوعة Et resurrexit في القداس في مقام سي الصغير. خلال القرون أحضرت موسيقاه فرحة كبيرة للشعوب من كل الديانات وللشعب الذي ليس له دين أو يؤمن فقط بوحي المبتكرين أمثال باخ.

مثل معظم مؤلف عصره، آمن أن الموسيقى تستحضر المشاعر مباشرة وترمز للأفكار. مع "عقيدة المشاعر" اصحاب نظريات الباروك اقترحوا لغة موسيقية مختصرة، كل إيماءة ارتبطت بمشاعر محددة – إثارة، عظمة، غضب، رفعة صوفية الخ. ونشعر أن الحركة الواحدة أو الآربا لابد أن تكون لها عاطفة أساسية واحدة أي حالة نفسية أيضا مثل المؤلفين الآخرين، استخدم باخ الرموز في عمله: كان بانتظام لديه الأصوات ترسم الصليب عند ذكر المسيح، تأثيرات صاعدة بالوتريات حين يتكلم المسيح، أحيانا يستخدم الرقم الإلهي ثلاثة والإشارات الرقمية المنظمة القائمة على مبادئ الكبالا اليهودية. (النظام الحسابي الأخير انتشر ضمن الطبقة المثقفة لعصر النهضة وباخ أكملها).


الآريا Wie zittern und wanken من كنتاتا "يا رب لا تحاسبنا" تعكس كيف يمكن أن يرسم باخ صورة في نص معين. تتحدث الكلمات عن المذنبين المرعوبين أمام مقعد الحكم لله، هم يرتعدون ويكررون أنفسهم يتهمون بعض بخطاياهم. لحن باخ يبدو أول الامر بسيط وجميل ومؤثر. بالنظر للمدى الأبعد يكتشف المرء أن مصاحبة الاوبوا تكرر نفس العبارة مرارا وتكرارا مثل المخطئين أن المصاحبة ترتعش مثلما يفعلون، أن الباص مفقود وبالتالي لا أساس لهم. مع هذا التفوق، الذي لا يبدو مرغم أبدا مثلما تفعل تأثيرات هاندل احيانا، باخ يرسم المشهد للسامع. مع ذلك بنبرة الموسيقى يضيف باخ شيئا مفقودا من النص الخاص بالنار والحجر وهو شعور مؤثر بالشفقة على هؤلاء المذنبين.

كان باخ آخر استاذ عظيم للتقليد البوليفوني. فن البوليفونية هو أصعب انضباط في الموسيقى لأن كل شيء عليه خدمة هدفين متناقضين: الخطوط اللحنية لابد أن تكون كثيرة وحرة لكن في نفس الوقت عليهم العمل معا في انسجام. على أعلى مستوى كتابة الكونترابنط هي محاولة ذات تعقيد يشبه أينشتاين.

أجاد ليس فقط المطالب الصعبة للكونترابنط لكن احتفلوا بها، بدا أسعد عند وضع أصعب المشاكل امامه. في الفنون البوليفونية المنضبطة للفوجة والاتباع هو سائد لكن فوجاته كانت محبوبة لأجيل ليس لأنها غزيرة لكن لأن نغماتها جيدة للغاية والأثر الكلي جميل للغاية. مقارنة بأعماله فوجات موتسارت وبيتهوفن الملهمة جزئيا بأعمال باخ تبدو متعمدة وغير واثقة. حتى في مقطوعة صغيرة غير مدعية مثل "أيها المسيح يا فرحة رغبة الإنسان" ياخ يلقي بالأجزاء الكونترابنطية الصعبة التي يحققها قليل من المؤلفين الآخرين في أكثر اعمالهم طموحا.

المشكلة مع ميله للكونرابنط هو أنه قلله في أعين معاصريه الاكثر تقدمية. اسلوبه البوليفوني وأشكاله الموسيقية المفضلة – الفوجة وكوارال فانتازي والآلام والكنتاتا كانت تسخدم في عصره. اربعة من أبنائه (كارل فيليب إيمانويل، يوهان كريستيان، فيلهلم فريدمان، يوهان كريستوف) سيقود الطريق نحو الأسلوب الكلاسيكي الجديد الذي اعتمد على لياقة وخفة الكونترابنط القديم. رغم أن كارل فيليب إيمانويل بذل الكثير للحفاظ على موسيقى والده أيضا أشار له باسم "العجوز".

بقول آخر كان باخ محافظ قضى حياته يجيد التقليد البوليفوني الذابل. أكثر من أي شيء آخر صم الجيلان التاليان آذانهما على عبقريته. رغم أنه قائد الموسيقى المعترف به في لايبزج، سنواته الأخيرة على الأرجح صارت مؤسفة من الإهمال، في أية حال تراجعت إنتاجيته.


يبرز حدثان قرب نهاية حياته. عام 1747 ذهب الى بوتسدام لزيارة كارل فيليب إيمانويل الذي كان يعمل في بلاط المالك/القاهر/عازف الفلوت البروسي فريدريك العظيم. كان الملك يمارس عزف الفلوت حين أعلن وصول باخ، أنزل آلته وصاح: "أيها السادة، باخ العجوز هنا!” لساعات قاد باخ خلال القصر حيث تباهى بمجموعة أآلات البيانو فورتي ما زالت الآلة في أول مراحلها في التطور، جرب باخ كل آلة، فارتجل على إحدى آلات البيانو فوجة لستة أصوات وعلى أخرى فوجة على لحن للملك. كان يوم نادر ومرضي للتصفيق للمؤلف المسن. لدى عودته للمنزل استخدم باخ لحن فريدريك كأساس لمجموعة تحف رائعة كونترابنطية أرسلها للملك بعنوان "تقدمة موسيقية".


القصة الأخرى أكثر إثارة وبها بعض الغموض. عام 1733 كتب باخ قسمين من قداس ديني وكريالسيون وجلوريا في محاولة للحصول على لقب تكريمي كقائد الفرقة الموسيقية لملك بولندا الكاثوليكي وناخب ساكسونيا. نال اللقب فقط ليجد أنه بلا أجر. على الأرجح استخدم هذه الموسيقى في سانت توماس للقداس اللوثري المختصر. ثم من 1747 حتى 1749 ملأ باخ قداس كامل في مقام سي الصغير حيث عالج الموسيقى من أعمال سابقة وأضاف بعض الأقسام التي كتبها حديثا.

هنا يكمن الغموض. لم يتمكن باخ من استخدام هذا القداس في كنيسته الخاصة: كان الشكل الكاثوليكي الكامل بدلا من اللوثري. لما على المؤلف البروتستانتي العملي في تلك الأيام، الذي يكتب عادة لغرض عاجل، عمل شيء غير مفيد لهذا الحد؟ لن نعرف أبدا على وجه التأكيد لكن من المحتمل أنه كان يريد بالقداس في مقام سي الصغير أن يكون تتويج لأعماله وشهادته الرب والناس لأعلى شكل موسيقي في العصر. بالتأكيد باخ لم يفكر قط في الأهمية التي سيصل لها في المستقبل لكن القداس يدل على أنه على الأقل لم يتخلى عن الاحتمال. هذا العمل الرائع الذي بدأ كطلب وظيفة وتم تجميعه أساسا من مقتطفات من أعمال أخرى، يوجد اليوم كأحد أعظم تحف للروح البشرية والخيال.

في نهاية 1749 بعد عقود من الجهود الخارقة، ضعف بصر باخ الذي كان دوما ضعيف لكن هذه المرة بالكامل. في يناير أجرى جراح إنجليزي جراحة على عينيه. كانت النتائج كارثية، وظل باخ أعمى وانهارت صحته الجيدة بسبب العملية والأدوية. كان طرح الفراش ومحاطا بأسرته واستعد للنهاية. تقول الأسطورة أنه في أيامه الأخيرة أملى على طالب له نغمة بنغمة عمله الأخير وهو مقدمة للأرغن سماها "أمام عرشك أقف". اللحن الرئيسي يشير رقميا لاسمه. كان إهدائه لسانت بيتر. توفي بعد إصابته بسكتة في 28 يوليو 1750 ودفن في لايبزج في كنيسة سانت جون في قبر ليس له علامة. كخادم مجهول آخر للرب.

بالطبع حكاية الموسيقى لم تنتهي هنا. كارل فيليب إيمانويل عمل للحفاظ على ذكرى والده حية. في أيدي العديد من المتحمسين وجده موسيقى باخ الملاذ. أحدها كان نيف مدرس بيتهوفن الذي جعل طالب يتعلم "الكلافيير المعدل" كله ويحفظه. لباقي حياته، حافظ بيتهوفن على صورة باخ فوق مكتبه. موتسارت عزف جيدا موسيقى أبناء باخ الأربعة المشهورين التي ساعدته على تشكيل أسلوبه الخاص، لكن اكتشافه المتأخر ليوهان سباستيان باخ أثرت بعمق على موتسارت حيث جعلته يعيد اكتشاف الكونترابنط. امتلك هايدن نسخة من القداس في مقام سي الصغير التي قد تكون أثرت على أعماله الدينية اللاحقة.


لذا عكس الأساطير اللاحقة، لم يتم نسيان باخ لكن كان فقط في الخلفية حيث ساعدت أعماله على توسيع كل ذهن موسيقي لمسته. حين أحيى فيلكس مندلسون "آلام المسيح وفقا لإنجيل متى" في برلين 1829 بدأ العالم يصحو لعظمة باخ. ثم المؤلفون الكلاسيكيون الأوائل الذين خيمت أعمالهم على أعماله بدت الأعمال العصرية لوقتها فقط. لكن باخ كان مؤلف لكل العصور.


عام 1850 تم تأسيس جمعية محبي باخ لجمع ونشر ما بقى من اعماله في النسخة الكاملة الحديثة التي يصل عددها الى 60 مجلد يمكن الجدل أن هذه المجلدات تشكل أعمق واروع مجموعة اعمال كتبها ذهن واحد في اي مجال في حياته الطويلة.

لم يأتي احد بهذا القدر المؤكد من الموسيقى الجميلة والسيئة أو العبقرية في أي مؤلف آخر. بالتأكيد ضمن المؤهلات لعبقري خالد مثل باخ مسائل التقنية والمجال التعبيري. بالنسبة للتغير يبدو قادرا على عمل شيء على الإطلاق: من النغمات الصغيرة مثلما في الكتاب لآنا ماجدالينا لأعماله مثل الكنتاتا الرعوية للموسيقى الراقصة الأنيقة في متتاليات الهاربسكورد للكتابة اللحنية المؤثرة مرارا وتكرارا لنبرة النبلاء المهمين مثل السانكتوس من القداس في مقام سي الصغير وحتى لدرجة اليأس – مثل الافتتاحية المعذبة لآلام المسيح وفقا لإنجيل يوحنا الذي يتناول البشرية في عالم بعيد عن الرب.

إجادة التعبير العاطفي عن باخ أيضا أعظم سادة الموسيقى مراعاة للجوانب الفنية – كان سيد في الكونترابنط وبارع في اللحن والهارموني وأستاذ في الأشكال الصغيرة والكبيرة. تقريبا أجاد كل نوع موسيقي موجود في عصره باستثناء الأوبرا. بالتأكيد المؤلفون الآخرون وجدوا إمكانيات التعبير والتقنية التي كانت مجهولة لباخ – على سبيل المثال الذاتية الشديدة التي أحضرها بيتهوفن للموسيقى. لكن في باخ نرى المجال الكامل لما يمكن أن تؤديه الموسيقى في عصره.

وراء هذا من بين كل المؤلفين تبدو نغماته لا يمكن أن تدميرها نجت من التوزيع الأوركسترالي الحديث وجعلها موسيقى إلكترونية وغناء مرتجل وعزف فرق الروك والكوتو الياباني. إذا تمتعت بهذه الأشياء تمتع بها ما زالت الانغام كما هي وبعض الذهن يلمع. بالمثل المجموعات المسجلة لمخطوطات باخ الأخف "عيسى، يا فرحة ما يرغب به البشر" و"فلترعى الأغنام بأمان" إلى آخره. مع ذلك أسفل سأركز على الأعمال الكبرى وسيلة واحدة في المرة الواحدة.


طويلا أشهر أعمال باخ الاوركسترالية ست كونشرتات براندنبورج لسنة 1721، التي تظهر المؤلف في أفضل حالاته خفة كلها تتبع مبدأ الكونشرتو جروسو الباروكي كما أبدعه فيفالدي حيث مجموعة أكبر من الآلات يتراوح مع مجموعة صولو بدلا من عازف الصولو الواحد. الكونشرتو الاول مثلا به مجموعة صولو من آلتي هورن فرنسي و3 أوبرا وكمان، المجموعة الاكبر هي المجموعة الطبيعة للوتريات لجزئي كمان وفيولا وتشيللو وباص إضافة للباصون والباص المستمر. كل المقطوعة تتسم بكتابة لامعة للهورن وصوت مبهج للاوبوا اضافة للصولو للكمان. الكونشرتو الثاني له مجموعة صولو من اربع آلات – الترومبت والفلوت والاوبوا والكمان – وفي النمط المعتاد للحركة سريع-بطئ-سريع للكونشرتو جروسو. الموسيقى في البداية تضع لحن يتسم بالمزاج الحسن الراقص والأليجرو هو الأداة المميزة لباخ التي تتميز بالحركة الدائمة. ملحوظ هنا الكتابة للترومبت وأداة العزف المفقودة بين عصر باخ ومنتصف القرن العشرين.


في بعض الجوانب أهم كونشرتات براندبورج هي الثالث والخامس. كتب الكونشرتو الثالث لثلاث مجموعات آلات وترية إضافة للباص، تقدم تأثيرات سمعية لمادة ترجع للوراء والخلف ضمن الأنماط دائمة التغير للعازفين والمجموعات. لا يوجد في أي مكان موهبة باخ للحصول على أقصى نسيج من مجموعة صغيرة من الأفكار التي رأيناها هنا: كل حركة تقدم تنوع مستمر من لحن أو لحنين. في الكونشرتو الخامس العازفون الصولو هم الفلوت والكمان والهاربسكورد. قرب نهاية الحركة الأولى توجد كادنزا مذهلة للهاربسكورد حيث الآلة بالكاد لديها أي مجال للصوت فتبدو تعلو في القوة على مدى عدة دقائق لذروة ذات قوة سيمفونية تقريبا.


يجب أن نضع في الأذهان أن الأوركسترا في وقت باخ لم تكن موحدة كما صارت لاحقا. في كونشرتات براندنبورج، مال التكوين الآلي للتغير من عمل لآخر، حسب التأثيرات التي أرادها المؤلف وأي العازفين متاحين ذلك الأسبوع. لمقطوعة حافلة يمكن استخدام الترومبت والطبول والنفير؟ لمقطوعة أكثر تواضعا، كان الفلوت أو الركوردر مع الوتريات مناسبا. الأربع متتاليات للأوركسترا تظهر باخ في طابع احتفالي دنيوي مع استخدام الكثير من آلات الترومبت والطبول. جرب سماع المتتالية في مقام ري واللحن الطويل للكمان الغنائي في الحركة الثانية كان محبوبا لعقود بعنوان "لحن على وتر صول".


كان باخ من أول المؤلفين الذين كتبوا كونشرتو صولو من النوع الذي صار التقليد في العصر الكلاسيكي وبعده. أشهرها للهاربسكورد – رقم 1 في مقام ري الصغير ورقم 4 في مقام لا الكبير ورقم 5 في مقام فا الصغير. الأوكتيف الرياضي الذي بدأ رقم 1 يبدي جانبه حيوي. هذه المقطوعة موجودة في نسخة الكمان الصولو كذلك مثل كل مؤلفي العصور الذين أنتجوا بانتظام أعاد الاستخدام بانتظام وأعاد كتابة مقطوعات لأغراض جديدة.

وليس أقل استغراق مقطوعات لآلة واحدة كتب باخ أخف هذه المجموعات للهاربسكورد الصولو والمتتاليات الفرنسية والإنجليزية لتعليم زوجته الشابة آنا مجدالينا كلا المتتاليتين وست مقطوعات بارتيتا للهاربسكورد الصولو هي أساسا مجموعات من الرقصات الرشيقة سمى باخ البارتيتا "أعمال أنيقة كتبها للترفيه الذهني لمحبي الفن".

خطوة أعلى في النطاق والجدية تصل بنا لأحد قمم برامج حفلات الكيبورد وهي الآريا مع 30 تنويع معروفة بتنويعات جولدبرج وتقول الأسطورة أنه كتبها لصديق اسمه جولدبرج وكان يقصد منها أن عزف ليلا لتخفيف الأرق الذي عانى منه مستخدم جولدبرج الكونت فون كيسرلينج وإن صدق هذا كانت مهمة غريبة لكن باخ استجاب بتوسيع مذهل للآريا. فعلى خط الباص من تلك النغمة بنى عالما صغيرا من التعبير، كل شيء من الفرح المنفجر إلى الحزن المهذب.


توجت أعمال باخ للكيبورد ب48 مقدمة وفوجة في كتابيان يضم كل واحد 24 مقطوعة تشكل الكلافيير المعدل. العنوان ينبع من اقتناعه أن ضبط اوتار الكيبورد لابد أن يتغير لمسافة مساوية بين كل النغمات. النظم السابقة للتنغيم استخدمت فواصل غير متساوية تركت بعض المقامات منغمة لكن بعضها الآخر حاد مع مزاج متساوي، كل المقامات الكبيرة والصغيرة متساوية وتقريبا خارج التنغيم وبالتالي كلها مستخدمة ولذا في المجموعة كتب باخ عملين مقدمة وفوجة في كل مقام كبير وصغير ليستعرض المزايا في العمل.

الكلافيير المعدل تدفق مذهل آخر المادة لم تتشابه أي مقطوعتين معا يغطيان مجال هائل للمنطقة المعبرة والأسلوبية. استغرق تأليف الفوجات أعلى مما حدث أبدا لكن باخ أخذها في اسلوب أعلى وهو فن الفوجة الذي كان يعمل عليه حين توفى. لم يكن هناك منهج علمي تقريبا لتقنية التأليف احضر هذا الفن الموسيقي والتعبير.

ضمن الأعمال الكبرى الأخرى للآلات الصولو 3 اعمال سوناتا و3 بارتيتا للكمان الصولو ومجموعة مقابلة لست متتاليات للتشيللو الصولو. باخ احب الترقيم المنظمة في مجموعاته. كلها كتبها إضافة إلى الكثير من أعمال أخرى من موسيقى الحجرة خلاله سنوات باخ في كوتن. من ضمن مقطوعات الكمان جرت سماع بارتيتا رقم 2 في مقام ري الصغير الشاكونة الختامية مشهورة فوصلت إلى ذروة العظمة التي لا تبدو ممكنة للكان الصولو. من المتتاليات للتشيللو اقترح أول اثنين الأولى المتفائلة والمبهجة في مقام صول الكبير والثانية الكئيبة في مقام ري الصغير.

موسيقى الأرغن عالم في حد ذاتها حيث يبرز باخ وحده في قمة هذا الفن. أبدأ باستكشاف بعض الأعمال المفضلة المحبوبة مثل البساكاليا الواسعة والفوجة في مقام دو الصغير، الفانتازيا والفوجة في مقام صول صغير والتوكاتا والفوجة في مقام ري الصغير

أكبر و,وساع واعمق فئة في كل أعمال باخ هي الموسيقى الدينية للأصوات والاوركسترا. اعمال الكنتاتا الباقي تصل إلى 200 عمل. معظمها كتب بسرعة قصوى لأن صلوات الكنيسة اللوثرية ليوم الاحد تطلبت واحدة أسبوعيا إضافة إلى أخرى في مناسبات خاصة. اجمالا الف باخ على الأرجح نحو خمس مجموعات من 58 كنتاتا للصلوات.


بالطبع ليس كل موسيقاه تقف على أعلى مستوى. توجد العديد من الاريا داكابو وأعمال كاملة للكنتاتا دون إلهام. وقيل انه رغم أن فيفالدي المؤلف الأقل موهبة لكن على الاقل عرف متى يصمت لامكن قول نفس الشيء عن باخ. لكن في كل موسيقاه لائحة شيء تثري بالذهب مثلما في مقطوعات الكنتاتا. كبداية في حياة كاملة من السماع لاعماله سنوصي بثلاثة. الاولى "يرقد الميسح في برك الموت" وهي كنتتاتا مظلمة ومأساوية في النبرة. على العكس كنتاتا "الحصن القوي هو الله" تنتمي لنفس الفترة وهي واحدة من أكثر اعمال باخ بهجة وبها دويتو يتميز بالجمال في النص "كم بمارك من يدعو الله" (ايها النايم استيقظوا) هي كنتاتا أخرى مبهجة؛ القسم الرابع حيث ينسج باخ لحن حول نغمة الكورال وجدت شعبية مؤخرا في نسخة تغنى بشكل مرتجل.


ضمن الأعمال الغنائية الأكبر، المجنيفيكات في مقام ري الكبير لسنة 1723 ضمن اكثر أعماله جاذبية. مرة أخرى استخدمت كلمة مبهج للافتتاحية العبقرية لهذه المقطوعة الدينية مع أصواتها الراقصة والترومبت. باخ أعظم أستاذ للفرح الروحاني في أوقامت من الكثافة الدائمة مثلما في الماجنيفكات التي تبدو تغمر القلب.

في قمة موسيقى باخ وربما في كل موسيقى يكمن عملين دينيين هائلين آخرين للأهمية المقابلة هما "آلام المسيح وفقا لإنجيل متى" والقداس في مقام سي الصغير.

"آلام المسيح وفقا لإنجيل متى" هو الأكثر حميمية في العملين. يروي عن قصة وفاة المسيح بالتبادل مع السرد والتأمل المؤثر ويتخلله الكورال والكورس. يمهد الكورس العظيم الساحة والنبرة العاطفية، أحيانا الجوقة تؤدي دور الحشد بالتبادل تتفاعل في رعب تجاه القصة وأحينا أخرى تشارك بجملة "دعه يصلب" يروي الإنجيل القصة في رسيتاتيف مهيب. في الآريا يتحدث الأفراد عن عذابهم وضياعهم: "تعالى يا قلبي واجعله طاهر" تقول الآريا النهائية الرفيعة "حتى أتمكن من دفن المسيح" النهائية رقصة مهيبة للقبر. يعم كل شيء شعور بالمأساة يتجاوز تفاصيل أي دين. عالمية قصة المسيح هي كل ما نعاني منه جميعا كلنا نفقد أحد نحبه وكلنا نسعى للعزاء وككلنا نصلب. "آلام السيد المسيح وفقا لإنجيل متى" تعبر عن الأسف والأمل لكل زمن والبشرية كلها.


القداس في مقام سي الصغير هو الجانب الرسمي للتجربة الدينية - الدراما والصلاة والاستجداء والاحتفال وتأكيد القداس الكاثوليكيهنا النبرة مرتفعة وموضوعية بدءا من الفوجة الكبيرة للكريالسيون التي تشكل الكورس الأول. لا يوجد جانب من الروحانية التي لم نمسها في هذا العمل من الفرح المبتهج للجلوريا إلى النداء في الكريدو غلى الباص آريا الجميلة الرفيعة في Et in Spiritum Sanctum. ربما أكثر شيء ننساه هو اللقطة المحورية الصلب وهي تعبير عن عملية الصلب في خطوات تصل إلى السواد الصامت للقبر ثم Et resurrexit تبدا بصرخات النصر والجذل. في هذا القداس – في السابق أحد النصب التذكارية الشامخة في الموسيقى الغربية الخيال الإنساني المبدع والروح الدينية – تكمن الثروات فوق كل تصور. نفس الكلمات تقف لكل إنتاج باخ: ثروات وراء كل تصور. استهلك إمكانيات الموسيقى في عصره بعبقرية تستهلك كل مدح. نجد فيه مثلما في القليل من فنانين آخرين إنتاجهم خصب بشكل رائع – رمبرانت وبيكاسو وموتسارت وشكسبير – المرء يرى أن الأقرب للإنسانية يمكنها المجئ للطبيعة بلا حدود التي تولد اشكال وأمجاد والمأساة وراء كل تصور.