Saturday, March 22, 2014

العصر الكلاسيكي

العصر الكلاسيكي
1750 – 1825
تتميز بعض العصور بالتناثر والمنافسة أخرى بالتكامل النسبي والعالمية والتعاون. عكس الفترات على كلا الجانبين، العصر الموسيقي نحو 1750 – 1825، الذي يمكننا أن تطلق عليه اسم "كلاسيكي"، كان عصر التكامل والسلاسة. كل أوروبا شاركت أسلوب مماثل وجمالي. التقنيات والأشكال والمواقف التي ظهرت في أول خمسين عاما من هذا العصر، عصر هايدن وموتسارت، كانت قوية جدا لدرجة أنه كان الأثر السائد على الموسيقى الغربية من حينها. هذا في الواقع تعريف مساعد للكلاسيكية: شيء يستمر كنموذج بسبب عناصره تمثل لكل العصور الوهم المعجز للإجادة. العصر الكلاسيكي في الموسيقى يميل للاتصال بالحركة المعروفة بعصر العقل التنوير الذي بدأ سابقا في القرن الثامن عشر. بعد التقدم العملي والعقلي للقرن السابق، مفكرون أمثال فولتير وديدرو ومونتساسكيو ولوك وجيفرسون وفرانكلين مهدوا الطريق لجدول إنساني جديد تقدم نحو مذهب الإنسانية والمجتمعات الديمقراطية، اعتمادا على اعتقاد أنه خلال المنطق والعلم تقدر الإنسانية على فهم العالم والتحكم في مصيرها، دون الاعتماد على المرسوم الخاص بالسلطة أو الآلهة التي قد تكون موجودة.

العقل هو الكلمة الفرعية للعصر: القدرة الاستنتاجية للإنسان كانت الوسيلة لاكتشاف النظام الحقيقي للعالم الطبيعي والنظام العادل للشئون الإنسانية. مثلما في القرن السابع عشر فرض ديكارت كل الافتراضات والنظم التفكير وبين فلسفة عقلانية جديدة من الأساس "أنا أفكر إذن أنا موجود" لذا عصر العقل نظر إلى الحقيقة المتلقاة في شك: الحقيقة لا تكتشف عنها الآلهة لكن يجب فهمها. في حين العقل يتم استحضاره من المحافظين لتبرير النظام الأرستقراطي القديم، العقل أيضا أداة يطوعها البشر مثل فولتير للمساعدة في الإطاحة بذلك النظام.


الشبه والتداعيات لهذه الأفكار كان له أثرا مدويا عبر التاريخ حتى عصرنا الحالي. ساعد في التأثير على الثورات الأمريكية والفرنسية في القرن الثامن عشر لاحقا، كما أدت لتحسين الطريقة العملية، مما أدى إلى التطورات التكنولوجية مثل محرك التجار وصناعة القطن والكهرباء. بدورها هذه التقنيات تسببت في الثورة الصناعية كجزء من هذا التقدم صعدت الطبقة الوسطى التي اعتمدت على الصناعة على النظم الأرستقراطية القديمة التي اعتمدت على امتلاك الأراضي آخر الأمر استخدمت النظام الاقتصادي الجديد المعروف بالرأسمالية للحفاظ والسيطرة على المجتمعات الديمقراطية الجديدة.


ما معنى التنوير للفنانين الذين لم يكونوا فلاسفة؟ يصعب توضيح هذا مع ذلك يوجد نقاط انسجام لا تقبل الخطأ وسط الفنون والسياسة والفلسفة في هذا العصر. بالنسبة للفنانين قالت روح الزمن: اسعى للبساطة والمباشرة والانسجام للتخلص من كل علامة غير ضرورية على القماش، كل نغمة ضرورية للموسيقى، ودعوا لجعل صور الحقيقة الموضوعية، ليس العاطفة الذاتية، تخلق ديمقراطيا للعقل والذهن والعين الشعبية مع تفادي فقط ما يفهمه النخبة، جعل أشكال صلبة تبنى لتدوم، الطبيعي والعقلاني والعالمي، يحب السعي وراء التجدد من الأساس الراسخ في التقاليد والعادات، والخضوع لصورة أبولو الباردة والسماوية، ليس ديونيساس الجامح الذي يدمر الأشكال رغم أنه في الموسيقى لم يعد أواخر القرن الثامن عشر متصل بالقاعدة أكثر مما كان في الماضي (في الواقع الفنانون الكلاسيكيون رفضوا أي قاعدة تبدو اصطناعية) اختار المؤلفون عمدا أن يكبتوا أنفسهم، ويختصرون ويتحدثون ببساطة ووضوح.


تبدو هذه المثل مجردة على الصفحة وليس لها تطبيق مباشر ومتوقع على الموسيقى والفنون الأخرى للفترة الكلاسيكية. مع ذلك في هذا التجريد يمكننا الاستيعاب بأفضل درجة الفرق المذهل في صوت وأثر باخ وهاندل عام 1750 ولهايدن وموتسارت بعد 25 سنة. وسيكون هايدن وموتسارت فوق كل شيء وضعوا الخطة لموسيقى المستقبل الذي أجادوا أهم تقاليد الشكل والإجراء في الموسيقى الكلاسيكية الغربية: السيمفونية والسوناتا والكونشرتو والرباعية الوترية والمبدأ غير العادي للتنظيم الموسيقي في السنوات اللاحقة يسميه قالب السوناتا.

للتنبؤ بالأسلوب الكلاسيكي يظهر في الباروك مرة أخرى تماما مثل بدايات الرومانسية تحركت في الفترة الكلاسيكية. في أوائل 1730، كتب الناقد الألماني جي إي شيب:
"الفن لابد أن يحاكي الطبيعة. لكن بمجرد تجاوز هذه المحاكاة يدان الفن. إنه ليس فن يمنح الجمال للطبيعة. كلما زاد إفراط الفن أبعد نفسه عن الطبيعة. لذا هي حقيقة أن الفن أكثر من اللازم يغطي على الجمال الحقيقي".

رغم أن شيب مبهم بشأن معنى الطبيعة من الواضح أنه يدين جوانب أسلوب الباروك – الزخرفة الثقيلة والكونترابنط الواضح والتقاليد الأوبرالية، اضطر يوهان سباستيان باخ في سنواته الأخيرة لسماع الكثير من الشكاوى عن "الإفراط في استخدام الفن" من المؤلفين الأصغر سنا والاكثر عصرية حوله في لايبزج ضمنهم بعض أبنائه.

التلقينا بشخصية فرنوسوا كوبران معاصر باخ وهو أستاذ فرنسي يتميز بالرشاقة والخفة والسحر. هذا يعتبر الأساس الذي يستخدمه معظم الجيل الفني للفترة الانتقالية المعروفة باسم الركوكو قرب منتصف القرن الثامن عشر. في الفنون البصرية كان الركوكو عصر الزخرفة حتى لا يعد من أذواق الباروك البذخ في الزخرفة والإخلاص للذة البحتة والجبات الجمالية لكل شيء عدا الحلوى. مؤلفو الركوكو ألغوا الكونترابنط فعليا والصفة الأساسية التي سعوا لها كانت الأناقة والبساطة والتنغيم وما هو نفيس في النهاية عادة السطحية كذلك. ضمن المؤلفين الذين ارتبطوا بالركوكو هم جابي سمارتيني وجي بي بيرجوليزي في إيطاليا وانتشروا حول أوروبا وأربعة أبناء ليوهان سباستيان باخ كلهم عصريين وأشهر مما كان والده – وهم فيلهلم فريدمان ويوهان كريستوف وكارل فيليب إيمانويل ويوهان كريستيان. رغم أنه لم يكن أي من الأربعة كانوا يقتربون من الفنان الذي كان عليه يوهان سباستيان، استغرق العالم وقتا طويلا ليدرك هذا. على أية حال، يوهان كريستيان وكارل فيليب إيمانويل يبرزان ضمن الأهم والأكثر المؤلفين المؤثرين في منتصف القرن الثامن عشر.

إضافة لمواهبه الأخرى يملك سباستيان باخ أفضل سجل في التاريخ كمدرس في التأليف الموسيقي. لكن مهم أنه حتى لم يتمكن من تعليم أبنائه الموهوبين أسرار عبقريته. من هذا يمكننا أن نحصل على استنتاجين محتملين: الأول أنه لم يعرف كيف كان عبقريا والثاني وهو الاقل احتمالا أنه عرف وأخبر أبنائه لكنهم لم يستوعبون ما قاله.

يوهان كريستان باخ وكارل فيليب إيمانويل باخ
أصغر أبناء باخ، عمل في لندن في الغالب وكان عادة يطلق عليه اسم "باخ لندن" لتمييزه عن الآخرين من الأسرة. تدرب أولا على يد والده واخيه الأكبر كارل فيليب ايمانويل، عمل يوهان كريستيان في إيطاليا لبعض السنوات قبل أن يستقر في لندن كما رأينا في مقطوعات مثل الكونشرتو الخامس للهاربسكورد أو البيانو الوتريات في مقام مي بيمول الكبير مصنف رقم 72 يلخص الركورو. خفة لمسته أثرت على جيل كامل من المؤلفين الملحوظ بينهم كان موتسارت البالغ من العمر ثمانية أعوام الذي صادقه يوهان كرستيان في لندن عام 1764. أهمية يوهان كريتسيان لتطور موتسارت الأسلوب سهل سماعه: السماع ليوهان كريستيان بشكل عرضي يشبه لحد ما موتسارت في عمل أقل مستوى له. بعض هذا الأثر ببساطة سعى وراء الأسلوب الجالانت العام في العصر الموجود في كل أنحاء اوروبا.


خلال كل عنصر وكل شكل على حدة بدأ الأسلوب الكلاسيكي يأخذ شكله أثناء الركوكو. مثلما وجهت كونشرتات الكيبورد ليوهان كريستيان باخ موتسارت، أثرت موسيقى البيانو ولأخيه كارل فيليب إيمانويل على مؤلفين من هايدن لبيتهوفن. في حين أسهم يوهان كريستيان بالخفة والرشاقة والوضوح الرسمي للحوار الموسيقى الأكثر إظلاما أضاف كارل فيليب إيمانويل المعروف باسم "باخ هامبورج" عنصرا أكثر ظلام سمي في هذا العصر باسم الأسلوب المعبر

رغم التدريب بطريقة أواخر عصر الباروك خلال والده، كارل فيليب إيمانويل كان لديه طبيعة نشطة دائما يبحث عن المادة الجديدة والتعبير الجديد. كما يكون بيتهوفن بعده كان مشهور لارتجالاته المشتعلة للكيبورد (على الكلافيكورد والهاربسكورد وفي السنوات اللاحقة على البيانو – كانت هذه فترة انتقالية لآلات الكيبورد). سوناتات الكلافيير أحيانا تشبه الارتجالات تتحرك تقريبا خارج السيطرة من الأناقة الشعرية لما يشبه الأعمال الشيطانية. بدأ يسعى لشيء حرمته منه اللغة الموسيقية لهذه الفترة – ربما نوع من التعبير الخاص ببيتهوفن. فقط السيطرة الشكلية لموتسارت وهايدن جعلت ظهور مؤلف لبيتهوفن أمرا ممكنا لكن كارل فيليب إيمانويل لا يملك نماذج كهذه. يظل شخصية غريبة ومراوغة ومدهشة في التاريخ. إعادة اكتشاف فنه ما زالت في مرحلة تقدم: نقطة البداية في أية حال هي سوناتاته للكيبورد.


مثلما غير ابتكار الأوبرا وجه الموسيقى وبدأ الباروك ظلت الأوبرا في القرن الثامن عشر بداية ما جرى في الموسيقى. كما لمحنا مع هاندل الأوبرا الجادة للباروك الإيطالية بدأت أخيرا في العزف تحت وزن التقاليد المبالغ فيها. الزمن تطلب عودة للبساطة النسبية والواقع على المسرح الأوبرالي. أو مؤلق يحقق هذه الحاجة كان كريستوف فيلبالد فون جلوك.

جلوك
جلوك عرف كيف كانت تقاليد الأوبرا الإيطالية عقيمة كتب نحو 24 أوبرا منها. كان ألماني المولد وتلقى تدريبا إيطاليا حقق نجاحات في لندن وألمانيا وانتهى به الحال في كتابة الأوبرا الجادة للبلاط الإمبريالي في فيينا. في الأربعينات من عمره تعرف جلوك على بعض الأشخاص المهتمين بإصلاح الأوبرا حيث تخلص من المطربين الخصيان ومهارتهم والحبكة السخيفة والآريا داكابو والتناقض بين الرسيتاتيف الجاف والأريا المزخرفة. هؤلاء المصلحون حثوا جلوك على اتباع أهداف المبتكرين الاصليين للاوبرا وجعل الموسيقى تخدم الكلمات والدراما.

أن تكون مؤلف قدير ومحترف ماكر يمكنه معرفة من أين تهب الرياح حمل جلوك هذه الافكار وحملها بعبقرية حيث بدأ بعمل "اورفيو في يورديس" الذي أنتج في مسرح بيرج في فيينا سنة 1762. لاحقا كتب "ألسيست" في المقدمة التي أعلنها جلوك – أنها مبدئية ومبدأ العمر: "أسعى أن أجعل الموسيقى تقتصر على الوظيفة الحقيقية لخدمة الشعر بالتعبير عن المشاعر ومواقف القصة دون زخارف سطحية. أؤمن أيضا أن الجزء الأكبر من المهمة هو السعي للبساطة الجميلة، وتجنبت عرض الصعوبة على حساب الوضوح. لم أخصص قيمة لاكتشاف شيء جديد ما لم يكن طبيعي مقترح من الموقف والتعبير ولا قاعدة أني لا أفكر وأنا أرغب في هذه التضحية لصالح الحصول على أثر ما".

مع ذلك هاتين الأوبرتين الرائدتين لم ينالا إعجاب الجمهور في فيينا. نجاح جلوك المدوي حدث إلى جانب أكثر النضال المرير له في باريس أثناء 1770. أحضره إلى أوبرا باريس طالبته المطربة ماري أنطوانيت أنتج عملي أوبرا فرنسية مأخوذة عن أسطورتين لهومر "إفجين في أوليد" و"إفجين في توليد". هذه الأعمال أحدثت إشارة. الصحفيون الفرنسيون والجمهور اصطفوا في الصفوف المؤيدة والمعارضة اشهر المعارضين كان مؤلف الاوبرا نيكولو بتشيني. أخيرا كل العالم الموسيقي ظهرت الحرب بين انصار جلوك وانصار بتشيني والدعاية لهما والتآمرات والتخريب. من جانبهما ابتعد المؤلفان نسبيا عن الشجار، في الواقع لم يكن بتشيني فخورا لسرقته بعض والإصلاحات التي قام بها خصمه.

سنة 1779 تصوره للدراما الموسيقية تحسن لكنه أصبح مسنا ومعتلا، تقاعد جلوك في فيينا حيث كان مؤلف للبلاط الإمبريالي للإمبراطور جوزيف الثاني واحد من الطغاة المستنيرين في العصر الذي سن إصلاحات هامة اجتماعية واقتصادية بما في ذلك إلغاء العبودية. كان جوزيف أيضا راعي للفنون فكان سخيا مع جلوك لكن لاحقا كان بخيلا مع موتسارت". اصيب جلوك بالشلل بسبب السكتة فقضى سنواته الاخيرة كشخص هام مكرم وسخي. نجده يصفق لعمل موتسارت "اختطاف في السراي" سنة 1782، لكنه فضل خصم موتسارت سالييري. توفي جلوك في فيينا سنة 1778.


يذكر التاريخ جلوك كأهم مؤلف للأوبرا بين مونفردي وموتسارت. تأثيره المباشر واضح في فرنسا بعد عقود كان هكتور برليوز يضع أوبراته ليس اقتداء بموتسارت لكن لجلوك. ما زالت الواقعية التي استعادها جلوك للأوبرا أفادت كل مؤلف درامي من حينها – من موتسارت الى فاجنر ووراءه. تفادى جلوك شكل داكابو وهدأ التناقض بين الرسيتاتيف والآريا حيث جعل كل من الموسيقى والدراما أكثر استمرار وغلف كل شيء في نسيج اوركسترالي غزير. فاجنر كان يطور تلك الافكار اكثر.

للجماهير الحديثة يميل جلوك مثل يوهان سباستيان باخ لتبدو مثل اعمال موتسارت. يتحدث باللغة الكلاسيكية النظيفة مع كل لياقة لكن اقل من الحدة المعبرة والتقدم الذي حققه هايدن وموتسارت. مع ذلك يوجد جمال وعمل مسرحي هائل في افضل اعماله بالاخص في اورفيو وافجيني في توريد. اوصى بسماع هذه مباشرة أو في فيلم عند مشاهدة مثلا مشهد اورفياس تحت الارض كما كان مقصود ان يكون مع البطل وسط الحريق والجحيم يمكن فهم اثر فنان على عصره عكس معظم المصلحين قدم تصريحات ثورية بصوت متواضع وجاد.


الان الشخصيات الاقل اهمية مهدوا الساحة للمؤلفين الاساسيين هايدن وموتسارت اللذين ابتكروا المثل العليا الكلاسيكية وبيتهوفن الذي عند اتخاذه واعادة استخدامه للاشكال من سابقيه جعلهما اكثر شخصية واكثر عالمية. موقع القصة سيدور كليا حول مكان واحد: فيينا العظيمة الفاسدة غير المستقرة والمحبة للموسيقى.

1 comment: