Wednesday, March 19, 2014

أنطونيو فيفالدي

أنطونيو فيفالدي
يصعب التخيل الآن لكن ليس منذ فترة طويلة كان يمكن للمرء تناول العشاء في مطعم جميل دون سماع "الفصول الأربعة" لفيفالدي. رغم أنه واحد من أهم مؤلفي الباروك، أعيد اكتشاف موهبته الكاملة فقط في منتصف هذا القرن. من كونه في أمريكا على أية حال – هوس الكثير من مشغلي الأسطوانات في الخمسينات، ذهب في طي النسيان. وكان في عصره مشهورا إلى أن سأمت منه البندقية ولم تعد تهتم بأمره. مع إنتاج فيفالدي الموهوب لا عجب أنه ألف معظم أعماله على حبكة تلقائية. أفضل عمل له مبهج بشكل مضمون وشيء تلهف يوهان سباستيان باخ ضمن آخرين على دراسة أعماله وأحيانا سرقتها.

ولد أنطونيو فيفالدي في البندقية في 4 مارس 1678 وفرضا درس الكمان مع والده الذي كان يعزف في كنيسة سانت مارك. كان فيفالدي الشاب عازف كمان ماهر يخطط بوضوح لمشاور فني في الموسيقى، مع ذلك قضى عشر سنين ليدرس ليصبح قس سنة 1703. ذلك العام نفسه اكتسب أيضا مهنة موسيقية دنيوية في البندقية قد تشغله لمعظم حياته. سرعان ما توسل لألا يغني في القداس وواجباته الأخرى كقس. حيث ادعى أنه نفسه قصير ربما بسبب ضيق في التنفس. لكن لاحظت السلطات أن هذه الطاقة في كل شيء آخر يفعله هي أمر خارق.

الوظيفة الأولى لفيفالدي قد تبدو غير متصلة ببعضها لكنها كانت في لاوقع مرموقة: فكان مدير موسيقي ومؤلف ومدرس كمان لدار الأيتام للفتيات وكونسرفتوار الموسيقى في نفس الوقت. مثلما تبدو البندقية تحتشد مع الأطفال غير معروفي النسب كانت هناك أربعة دور للأيتام في المدينة كلها قدمت تدريب موسيقي جاد. توافد الجماهير أيام الآحاد بانتظام وحفلات العطلات لرؤية الفرق الصغيرة التي كانت تتألف من الفتيات المراهقات يعزفن ويغنين بخبرة.

على مدى 35 سنة كتب فيفالدي الكونشرتات ومقطوعات مماثلة لحفلات دار الأيتام ووصل إجمالي عدها 400 عمل من هذا النوع وحده. ينسب لسترافنسكي قول أن فيفالدي كتب نفس الكونشرتو 4300 مرة. بالتأكيد يوجد الكثير يعاد فبركته وتوقعه سلفا في هذه المقطوعات لكن نجد أيضا الكثير من السحر والجمال وإضافة للتنوع أكثر مما نسب سترافنسكي لفيفالدي الفضل له.


بالنسبة للجمهور الإيطالي في كل عصر، الذي كان متعطش بشدة لأحدث موسيقى، كان فيفالدي المؤلف الأمثل لذلك. كانت البندقية بشكل خاص مدينة مجنونة بالموسيقى من الشوارع للصالونات للمسارح والبلاط الملكي. أعلن زائر بريطاني أن الموسيقيين على جانب الشارع في البندقية عزفوا بنفس جودة العازفين فوق المسرح في الأماكن الأخرى. أثناء حياة فيفالدي عرضت 600 أوبرا في مسارح المدينة. (الحفلات العامة لموسيقى الآلات ظهرت أول مرة في عصر الباروك. رغم إن إنجلترا وفرنسا كانوا الرواد في هذه الحفلات، عرضت الأوبرا الإيطالية للجمهور من افتتاح أول مسارح في 1630).

والكونشرتات ليست الأعمال الكبرى الوحيدة للقس الأصهب مثلما أطلق الجمهور الإيطالي على فيفالدي لشعره الأحمر الناري ومهنته الاسمية. أيضا أنتج 49 أوبرا أو نحو ذلك بقى منها 21 لكن نادرا ما تعرض، 90 سوناتا صولو وثلاثية والعديد من أعمال الكانتاتا والموتيت والأوراتوريو وأعمال أقل. زعم فيفالدي أن بإمكانه تأليف كونشرتو أسرع مما يمكن لناسخ أن ينسخه وعلى الأرجح لم يكن يقل هراء. حين طلب منه زائر ألماني سنة 1715 كتابة بعض الأعمال في قلب الكونشرتو عاد فيفالدي بعد ثلاثة أيام ومعه عشرة كونشرتات.

كانت هذه الأيام الجيدة في عصره حين كانت موسيقاه تعرض باستمرار في البندقية وغطى أثره على أوروبا. قضى معظم وقته في الطريق، يعزف ويراقب إنتاج موسيقاه. في ألمانيا درس باخ مدونات فيفالدي ونسخها للعرض ووزع بعضها لآلات أخرى. من أسلوب فيفالدي القوي استوعب باخ دقة جديدة في اللحن والشكل ودروس مفيدة في الإيقاع.


"الأربعة فصول"، مجموعة كونشرتات صولو عددها أربعة كتبها سنة 1725 حققت نجاحا ساحقا في عصر فيفالدي ومرة أخرى في عصرنا. هذه الكونشرتات تستعرض شخصيته في شكلها الآسر – دون عمق كبير في المشاعر أو براعة كونترابنطية لكن دافع إيقاعي يمر دون كلل خلال الحركات الحركات السريعة، الألحان الغنائية الرائعة في الحركات البطيئة، الوضوح الكبير في النظام الرسمي خلال العمل بأكمله والخيال الملحوظ في الكتابة للوتريات.


كان فيفالدي يلقى التقدير بسبب مهارته في العزف على آلة الكمان قدر ما هو ماهر في كتابة الموسيقى. وصفه أحد الهواة الموسيقيين كان يزور المدينة عند سماعه أول مرة "قرب نهاية (الأوبرا)، عزف فيفالدي صولو مثير للإعجاب ليصحب الآريا في نهايتها أضاف ارتجالا أخافني حقا، فأنا أشك أي شيء مثلها حدث من قبل، أو سيحدث ثانية. لقد حدث في كل الوتريات الأربعة، مع المحاكاة وبسرعة مذهلة".

كما رأينا في "الفصول الأربعة"، كتابته للوتريات أيضا لا تشبه أي شيء سمعناه من قبل. يجد المرء السلالم الموسيقية الطائرة والأشكال التآلفية المتحركة عبر الوتريات، محاكاة الطيور والغمغمة. بعد قرون من الأعمال الموسيقية حيث كل الأجزاء الغنائية والآلية مالت لأن تكون بالتبادل، ابتكر عصر الباروك وفوق كل شيء فيفالدي موسيقى بدت صوت الآلة تتحدث عن طبيعتها الفطرية. مبادرات فيفالدي في هذا النوع من الكتابة الاصطلاحية متبعا ريادة كوريلي كانت ذات أهمية لا تحتسب في تطور موسيقى الآلات في العصر الكلاسيكي وما بعده.

فيفالدي ايضا وضع الحدود الرسمية القياسية للكونشرتو جروسو، الذي يتبعه باخ وآخرون: بشكل عام ثمة ثلاث حركات، سريع-بطئ-سريع، الحركات أسرع لها تبادل درامي بين أقسام توتي وصولو تتحرك خلال المقامات المختلفة، وعودة مع إلقاء الضوء للمقام الأساسي قرب النهاية (الفكرة الأخيرة صارت سمة أساسية لقالب السوناتا الكلاسيكية). على العكس الحركات الوسطى الغنائية مع ألحان طويلة غالبا تماثل آريات الأوبرا، متوقع من عازفي الصولو زخرفة هذه لتناسب الذوق. في سلاسة الشكل إضافة لميله لتقليل الكونترابنط لصالح صوت هموفوني، كان فيفالدي أكثر تقدمية وهو دليل على الأسلوب الكلاسيكي القادم، أكثر مما كان باخ.

بعد 1730 بدا الجمهور الإيطالي يسأم من فيفالدي. السلطات الكنسية أساءت معالمته لتجاهل المهام الخاصة بالقس وبسبب علاقاته طويلة الأمد مع سوبرانو معروفة. عام 1738 مع 35 سنة من الجهد الكبير لهم طرده مدراء دار الرحمة. بعد عامين قام فيفالدي برحلة يائسة لفيينا على أمل الحصول على الدعم من الراعي القديم وهو الإمبراطور تشارلز السادس، لكنه وجد الإمبراطور قد مات. بعد عدة أشهر صعبة في فيينا توفي فيفالدي في يوليو 1741. دفن في مقابر الفقراء.

لن أذكر الكثير من الأعمال بالتفصيل هنا لأن غير متوقع أن يبحث الشخص عن مقطوعات معينة لأنه ببساطة "سماع فيفالدي يشبه مشاهدة مباراة كرة القدم": إنه دائما هنا، دائما مختلف لكن دائما نفس الشيء، شيء مبهج وغير مقتحم. في هذا يماثل بعض النوع من موسيقى الباروك وهذا أحد الأسباب لشعبيته الحالية.


عمل "الفصول الأربعة" الخالد هو مجموعة كونشرتات ذات برنامج، واحد يمثل كل فصل، يتبع بالحرفية دون خجل نصوص أربعة مقطوعات سونيت. في الموسيقى مثلما في القصائد، الطيور تغرد، نسمة الهواء تتحرك، الرعد يدوي، الذباب يطن، المزارعون يرقصون، الكلاب تصيح، وفيفالدي لديه وقت قديم رائع بعضه خاصة بأكثر موسيقى آسرة وحيوية له. المرء يرى سبب إعجاب معاصرين بعمله الغريب وتقلبه المزاجي. روائع هذه المقطوعات ليست فقط كيف يتقرح مذاق كل موسم، لكن أيضا كيف يحافظ على هذه الصور المفصلة للنص من السقوط لتصبح أجزاءا صغيرة. سحريا تتدفق الموسيقى بدقة ووحدة مثل أي شيء كتبه.


ضمن أجمل كونشرتاته واحد للكمان يعرف باسم "لاموروزو"، بسبب نبرته العاطفية، الحركة الأولى بشكل خاص لها طابع خفيف ومبهج مثل يوم صحو في مايو. يبرز وسط الأعمال الأخرى للكونشرتو هو مجموعة من 12 عمل يعرف باسم "نزوة هارمونية" مصنف رقم 3، الذي نشر عام 1712. أظهر بالفعل أسلوب فيفالدي، ثبتت هذه الأعمال سمعته إضافة إلى كوريلي في مقدمة المؤلفين لموسيقى الآلات الايطاليين رقم 11 في مقام ري الصغير، وهو كونشرتو جروسو به مجموعة كونشيرتينو صولو من آلتي كمان وتشيللو، يفتتح الحركة الأولى والأخيرة مع أقسام محاكية نشطة قبل التوتي تدخل بشكل درامي. الحركة الثانية تغزل لحنا جميلا للكمان الصولو بأسلوب رقصة بطيئة تعرف باسم سيسليانو. مثل المعتاد في موسيقى الباروك، في الكونشرتو من مقام ري الصغير يعزف الهاربسكورد خلال العمل بالكامل، مرتجلا جزء الباص المستمر من خط الباص المرقوم، حيث يحلل النسيج ويقدم الدافع الإيقاعي.

وزع باخ ستة من كونشرتات فيفالدي (نزوة هارمونية) للأرغن أو الهاربسكورد. كان أكثر توزيعات باخ المربكة وهو كونشرتو في مقام لا لأربعة آلات هاربسكورد والأوركسترا، من كونشرتو الصولو من مقام ري الصغير لفيفالدي. كانت نسخة باخ لها طابع مغرد يفتقر للطابع الثقيل للعمل الأصلي، لكن كلاهما كان له دافع إيقاعي.


لم يكن فيفالدي فقط واحد من أكثر مؤلفي الباروك المعدين وغزيري الإنتاج، كان أيضا مسئولا عن بعض أكثر الأفكار الموسيقية إنتاجا في عصره وكان له أثرا حيويا على الجيل التالي. نادرا ما نجح أي فنان هام في أن يقدم مثل هذا القدر من المتعة.

No comments:

Post a Comment