Sunday, March 16, 2014

كلوديو مونتفردي





لا يوجد نمط واحد للعبقرية. البعض ثوريين، البعض محافظين، البعض ينتمون لعصرهم. المؤلف الإيطالي كلوديو مونتفردي كان الثلاثة في نفس الوقت. أستاذ لأسلوب النهضة القديم استوعب التيارات الجديدة للقرن 17، وأكثر من الثوريين الصغر حوله، أشار الطريق نحو مستقبل الأوبرا. هو شخصية توحد عوالم موسيقية متناقضة ظاهريا للنهضة والباروك.

ولد لأسرة طبيب في كريمونا في 15 مايو 1567، مونتفردي درس الموسيقى في كاتدرائية البلدة. في سن 24 ترك كريمونا لمنصب كمؤلف وعازف وتريات ومطرب للقاعة المهيبة للدوق فنسنزو جونزاجا من مانتوا. مونتفردي ظل في مانتوا لاكثر من عشرين عاما، خلالها ما نشره جعله مشهورا في كل أنحاء أوروبا. الدوق من الواضح قدر هذا الموظف، فأخذه في عطلات وحملات عسكرية في القارة. في نفس الوقت، استاء مونتفردي من وضع خادمه في المحكمة؛ غالبا كان عليه التوسل لراتبه من المسئولين المزدرين. عام 1599 تزوج مونتفردي المطربة كلوديا دو كاتنيس بدا أنه أحبها كليا، وهو مفتاح كشف عن سلسلة من نصوص المادريجال الحسية التي وضعها قرب وقت الزواج.

قلب عمل مونتفردي ومعمله الموسيقي، كان سلسلة المادريجال لمدة 40 عاما. أول أربعة كتب للمادريجال كانت بالأسلوب البوليفوني لعصر النهضة، لكنه أحيا الأسلوب القديم بكثافة جديدة في رسم الصور والعواطف الخاصة بالنص. وراء امتلاك إحساس هارموني مغامر بشكل عام استكشف التأثيرات المعبرة للتنافر بما في ذلك التاثيرات التي لم يصنفها أصحاب النظريات في العصر. هذه المعالجة للقواعد أغضبت المتشددين خاصة أرتوزي الذي هاجم مونتفردي حيث استخدم لغة النقاد المحافظين:
"هؤلاء المؤلفون في رأيي لا يملكون شيئا سوى دخان في رؤوسهم إذا انبهروا بانفسهم في اعتقاد أن بإمكانهم إفساد، إلغاء وتدمير القواعد القديمة التي انتقلت من الأيام القديمة. وصلنا لحد السخف، لكن ممكن كليا أن هؤلاء المؤلفين الجدد سيجدون سبيل لتحويل التنافر إلى انسجام والعكس. لهؤلاء المؤلفين يكفي إحداث ضجة هائلة، توتر سخيف وعيوب كثيرة".

في النهاية هذا النقد أفاد مونتفردي اكثر مما أضره، أرتوزي أثار الفضول للموسيقى التي أدانها. ما زال المؤلف شعر بالحاجة للدفاع عن نفسه، وبدأ فعل هذا عام 1605 مع مقدمة للكتاب الخامس للمادريجال. في هذا وكتابات لاحقة حدد مونتفردي أفكاره وجمالياته. اولا وضع خطا بين البوليفونية الهولندية للماضي التي مثلها سادة مثل جوسكان وبالسترينا والأسلوب الجديد لجماعة الكاميراتا الفلورنسية والمؤلفين المتصلين (التي سماها أصحاب النظريات منودية). الأسلوب القديم سماه مونتفردي الممارسة الشائعة والأسلوب المنودي الجديد الممارسة الثانية. في الممارسة الأولى مالت الموسيقى أن تسود النص، في الممارسة الثانية، النص حكم الموسيقى. (اليوم ببساطة نسميه عصر النهضة من الأسلوب القديم وعصر الباروك من الأسلوب القديم. لاحظ أنه في حين الهموفني ومصطلح فني عام، المونودية هنا تدل على نوع الهموفوني الذي نسمعه في أوائل القرن ال17 للموسيقى الإيطالية التي كتبها للصوت الصولو والمصاحبة).

عكس كاتشيني والمنوديون الرواد الآخرين، لم يرفض مونتفردي البوليفونية كليا. بدلا من ذلك حول الأسلوب القديم نحو أهداف الأسلوب الجديد: بوليفونية تعبر عن النص أيضا. بشأن التعبير كتب:
"بدا لي أن العواطف الأساسية لعقلنا هي ثلاثة في العدد الغضب والرزانة والتواضع. فن الموسيقي يشير بوضوح إلى هؤلاء الثلاثة في مصطلحات "مثار" وناعم ومعتدل. في أعمال مؤلف الماضي تمكنت من إيجاد أمثلة على الناعم والمعتدل لكن لم أجد قط مثال على الأسلوب المثار، رغم وصفه أفلاطون أنه "الهارموني الذي يحاكي الحديث الخاص بالرجل الشجاع الذاهب للحرب". في ضوء هذا بذلك مجهود مع مثابرة وجهد كبير لاسترجاع هذا الأسلوب.


سعيا وراء استخدام أسلوب يعرف باسم Stile concitato اخترع مونتفردي أسلوب التريملو أو هز الأوتار، حيث يكرر القوس بسرعة نفس النغمة، استفاد المؤلفون من هذا الأسلوب منذ ذلك الحين. أثر مخفف هو النبر أي نقر الوتر.


شهد عام 1600 العرض الأول لثاني أوبرا في العالم – يوريديس لجاكوبو بير، التي عرضت بنجاح كبير في فلورنسا. ضمن الجمهور العرض الأول كان مونتفردي. كانت مادريجالاته تتجه بالفعل نحو دراما أكبر ورسم يعبر عن المشاعر، هذا الأسلوب الجديد يمكن أن يمنحه مزايا إضافية للمشاهد والشخصيات والحبكة. كتابه الخامس للمادريجالات الذي ظهر سننة 1905 سيطر عليه الأسلوب المنودي الجديد. بدلا من البوليفونية القديمة للأصوات المتساوية هذه المادريجالات غالبا للأصوات الصولو فوق مصاحبة بسيطة للباص المستمر تماثل الآريا أو مشهد من أوبرا أكثر من مجرد مادريجال تقليدي. هذا التناول منحه الحرية ليسعى لكل إثارة في النص مع الحفاظ على الكلمات بشكل مفهوم. بالتالي مونتفردي صار أول مؤلف عبقري يحقق القوة الكاملة للموسيقى الهموفونية. بعد هذه التجارب في المنودية اتجه للأوبرا. أول عمل له "أورفيو" أنتج في مانتوا عام 1607. رغم أنها ليست أول أوبرا في العالم، هي أول روائع الأوبرا من هذا النوع. من هذه اللحظة بدأ مونتفردي يضع الأوبرا على مسار يتجه نحو المزيد من التنوع الموسيقي، وفوق كل شيء شخصيات أقوى ودراما أكثر. وسع من الأوركسترا من الأعمال السابقة الأوبرالية. لكن هذه ليست الأوركسترا الحديثة، لكن اختيار عريض لآلات هذا العصر: الوتريات التي كان منها الكمان والفيول الأقدم والركوردر والكونرنيت والتمباني والأرغن والهاربسكورد والهارب ومجموعة من الآلات التي تعزف بالنبر – الجيتار والعود والثيربو. إضافة إلى 11 عازف صولو كانت أدوارهم غالبا تتطلب مهارة هائلة، "أورفيو" تتطلب كورس لست أصوات. في حين لا تهرب الشخصيات بالكامل من التجريد الخرافي للأوبرا الأولى (معظم هذه الحكايات مأخوذة عن مصادر يونانية رومانية، مونتفردي قدم بداية في التعبير عن الشخصيات الملموسة مع مشاعر حقيقية. حيث يغني أورفيوس "عشت في حزن" يبدو كأنه يعني ما يقول.


سريعا بعد العرض الأول لأوبرا "أورفيو" توفيت زوجة مونتفردي، تاركه إياه مع ابنيهما. دخل في مرحلة اكتئاب لم يخرج منها لسنوات. وضع جانبا مشروعات جديدة وذهب لمنزل والده في كريمونا حزنا على زوجته. لكن هناك وصله استدعاء من مانتوا بطلب كتابة أوبرا جديدة "هذا وقت اكتساب أكبر شهرة قد يملكها إنسان على وجه الأرض". مع الامتثال لهذه الرؤية من النصر، عاد مونتفردي إلى مانوا ليكتب "أريانا" التي عرضت أول مرة أمام الآلاف عام 1608 وسط تصفيق حاد. مع ذلك العمل اكتسب الشهرة التي يمكن للفنان الحصول عليها. لكنه تراجع لكريمونا شاكيا من الصداع التكرر والحكة الشديدة. إلى جانب كتابة ما أراده حقا كان الحصول على وظيفة جيدة في روما أو البندقية.


عام 1610 قام بجولة إلى روما بحثا عن منصب في الكنيسة ومكان بابوي لأحد أبنائه. أحضر مجموعة أعمال دينية تشمل رائعته "الصلوات المسائية للعذراء المباركة" أهداها على أمل العودة الجيدة للبابا بول الخامس. (هذا العمل الراقي ينضم للقداس في مقام سي الصغير في أنه رأى الضوء كتقدم للوظيفة). على الأقل حصل باخ على الوظيفة، وخاب أمل كل من مونتفردي وابنه في روما. رغبته في ترك خدمة آل جونزاجا أرضته سنة 1612، حيث طرد الدوق الجديد مونتفردي عقب وفاة الدوق فنسينزو.

ظل في كريمونا لمدة عام إلى أن تم استدعاؤه ليتولى واحد من المناصب المرغوبة في إيطاليا بشدة: مايسرتو بازيليكا سانت مارك في البندقية. ظل هناك لباقي حياته.

كل من مونتفردي وموسيقاه أثبتت نفسها حيث كانت تتميز بالتلون مما ناسب سانت مارك والبندقية. كتاباته تكشف عن المزاج والثقة بالنفس والبحث لكن أيضا تفسح مجالا للنعي. رسائل إلى مستخدميه النبلاء تكشف عن المطالب الملحة: "لقد قمت بالرقصات فعلا يا إلهي بحب معتاد ورغبة في خدمتك كانت دائما لدي، لكن ليس بموافقة قدراتي المعتادة – فما زالوا في حالة ضعف من الجهد في الماضي ولا يوجد دواء ولا نظام غذائي ولا مقاطعة الدراسات أعادتهم لنشاطهم الأول. إذن سأتضرع إلى سموك لأجل حب الله لا تحملني عبء العمل كثيرا في وقت واحد أو مدة قصيرة".

لاحظ إيجور سترانفنسكي عند التأمل في أعمال مونتفردي في القرن العشرين التالي: "أشعر أني قريب جدا منه. لكن أليس هو أول موسيقي يمكن أن نشعر بالقرب الشديد منه؟ نطاق موسيقاه كعاطفة وتصميم – تقدم بعدا جديدا مقارنة بأفضل مفاهيم لدينا – لأسلافه ينكمش ليصبح أعمال صغيرة للغاية – الرجل نفسه في رسائله الخاصة مع تقلبه المزاجي، والقلق بشأن قصر الوقت، الشكاوى من الصداع والأصوات التي ليست فقط معاصرة لكن حتى إذا جاز القول تشبهني لحد ما.

في رسالة شهيرة يكشف مونتفردي عن اهتمامه بالقدرة على التعبير خلال رد الفعل لطلب كتابة موسيقى لحوار الرياح: "تغني ارياح سيدي العزيز كيف يمكن تحريك المشاعر خلال سبلها الخاصة؟ [الآن مشيرا إلى أوبراته] حركت أريانا الجمهور لأنها إمرأة، وحركهم أورفيو كونهم رجل وليس رياح [الآن مع تواضع زائف] أشعر بجهلي العميق نوعا ما أن كل الحكاية لا تحركني بأي قدر، وبالكاد أفهمها أيضا، ولا أشعر أنها سوف تلهمني".

رغم شكواه كان مونتفردي بشكل عام راضي أثناء الثلاثين عاما التي قضاها في البندقية. لاقى إعجاب شديد وتقاضى أجر على عمله، وكان يعمل معه أبرع الموسيقيين في البلد. وطبيعي إنتاجه للموسيقى الدينية زاد في البندقية، معظمها في الممارسة الأولى، الأسلوب البوليفوني لعصر النهضة. لكنه حافظ على تيار منتظم للمارسة الثانية أعمال دنيوية أيضا – مادريجالات وموسيقى راقصة للاحتفالات الراقية والأعمال الدرامية.


ضمن الأعمال الكبرى لهذه الفترة المشهد الدرامي "معركة تانكريدي وكلورندا" التي وضحت قوة أسلوبه المرن المعبر لإلقاء اللحني. كان أول من استخدم التريمولو في الوتريات الذي كان أسلوبا جديدا بشكل مثير في هذا الوقت. يمكن أيضا أن يسمع في الأجزاء الوترية جرى الخيول وصليل السيوف (نبر الكمان، وهو شيء آخر جديد)، وتنهدات الوفاة التي يدل عليها التغيرات المفاجئة من عالي لخفيض. في مقدمته لنشر العمل، يتفاخر مونتفردي أن العرض الأول في البندقية كان عام 1624 "في وجود كل النبلاء الذين تأثروا لدرجة البكاء".


في سنواته اللاحقة قلت إنتاجية مونتفردي. بعد أن أودى الطاعون بحياة الآلاف في البندقية أثناء 1630 و1631، قدم الشكر لنجاته بالذهاب للكنيسة والالتحاق بسلك الكهنوت وكتابة قداس للشكر. في ذلك الوقت كان المؤلفون الشباب في البندقية في الغالب طلابه السابقين ويبدو أنهم استغلوا كل الفرص المتاحة.

مع ذلك في السبعينات من عمره، صعد مونتفردي ثانية لكامل قواه حيث كتب أعماله المسرحية التي استوعبت ابتكارات الجيل الأصغر وطورها وراء قدرة أي إيطالي آخر في العصر. المثير الفوري لهذه المقطوعات كان الافتتاح عام 1637 لأول مسرح أوبرالي عام في البندقية – سابقا كانت الأوبرات تعرض في منازل النبلاء. هذا بالكاد يشرح مع ذلك حيوية العملين الباقيين: "عودة عوليس" و"تتويج بوبيا".

أخيرا هذه كانت بوبيا من 1642 أوبرا الإلهام الموسيقي الملحوظ والبصيرة النفسية. مع فعليا قبضته الإبداعية الأخيرة المؤلف البالغ 74 سنة أنتج شيئا جديدا مثل أي عمل في شبابه. كانت بوبيا فوق كل شيء وضعت الأداة الجديدة للأوبرا في المسار الصحيح: بعيدا عن الكلاسيكية الزائفة المزخرفة للكاميراتا الفلورنسية وتجاه الدراما الحقيقية في الموسيقى.

بعد عام من العرض الأول لأوبرا بوبيا وبعد زيارة أخيرة لوطنه كريمونا توفي مونتفردي في البندقية عام 1643. دفن باحتفال رائع في كريمونا. بعد خمسين عام من وفاته حين كان أشهر موسيقي في عصره، نسي فعليا. لكن إدماجه للبوليفونية والهموفونية كان شخصي جدا حتى لم يفيد الجيل الجديد، وفي أية حال، اهتمت جماهير الباروك أساسا بأجدد موسيقى. المجلدات الهائلة لأعمال مونتفردي علاها الغبار في المكتبات وفقد منها الكثير. فقط وصول دراسة علم الموسيقى في القرن العشرين أن بدأت موسيقاه في الظهور. في القرن العشرين خاصة مع العروض المتزايدة للصلوات المسائية.

ليس كل إنتاج مونتفردي الباقي عمر جيدا. رغم أن هذا ينطبق على كل المؤلفين خاصة غزيري الإنتاج ربما يكون حقيقيا بشكل خاص على مونتفردي. الرسيتاتيف الطويل والتريمولو في أعماله المسرحية مثل "تانكريد وكلوريندا" كانت مثيرة حيث كانت الأفكار جديدة، اليوم متوقع أن يريد الجمهور المزيد من التنوع. هنا إذن سنركز على عملين مادريجال وعلى الروائع الهائلة "صلوات المساء و"بوبيا".

المادريجال se vittorie si belle لصوت تينور والباص المتمسر يبدأ كالتالي "إذا كانت حروب الحب تحقق بعض النصر، اصبح محاربا يا قلبي". الموسيقى حيوية مع وقفة رقيقة عند جملة "لا تخف" قبل أن يواصل نفير النصر. مثلما في كل الأعمال الغنائية هذه ليست موسيقى تشغل على جهاز الاسطونات مع سماعها بنصف إصغاء، لابد من التمتع بتغيرها مع الكلمات الليبريتو المتاحة لنرى كيف يعبر عن الإحساس بكل جملة.

المادريجال المعروف "الرياح الغربية" من الكتاب التاسع، هو للأصوات فوق الباص الأساي وهي تقنية من العصور تنسج الألحان بنمط متكرر. غالبا استخدم مونتفردي هذه الأشكال للباص الأساسي. في هذه الحالة إنه نمط باص قصير وحيوي الصوتان فوقه يندمجان معا في سباق متسارع من المهارة الذي ينتهي بالتنهد المناسب، ثم الموسيقى الطافية للكلمات "الآن أبكي، الآن أغني". في النسوات الأخيرة هذه الجواهر، والعديد من مادريجالات مونتفردي الأخرى سجلتها المجموعات الموسيقى المبكرة.

كل ما يبقى من أوبراه الاخيرة "تتويج بوبيا"، هو نوتتين بخط اليد، لم يكتب أيهما المؤلف، يعكسان فقط الأجزاء الصوتية، خط بسيطة للباص المستمر وفواصل آلية أحيانا. هذه النوت أيضا تم تطويعها بعدة طرق في العروض في هذا العصر، العديد من الأقسام بدا أن مؤلفين آخرين كتبوها. مع ذلك ما يبقى هو كافي لإثبات أن هذه أعظم أوبرا في القرن السابع عشر وضمن الألمع في كل عصر. ليس حتى وقت موتسارت أن ظهرت أوبرا أخرى بدت خالدة وتصلح لكل العصور وأقل تقيدا بالتقاليد الاصطناعية ونافذة من الناحية النفسية.


اولا على خشبة المسرح تأتي الأرواح الحظ والفضيلة والحب. الحظ يعلن: "خبئ نفسك يا أيتها الفضيلة الفقرة أصباح" وسط شكاوى الفضيلة العاجزة يعلن الحب الفائز الوضع في الاويرا: مجرد تغيرات المزاج ستغير العالم. موضوع بوبيا هو السلطة التي لا تقاوم للحب لإفساد الأفراد والمجتمع. مع ذلك مسرات الحب والفحش لم يستوعبها أحد في الموسيقى بهذه الروعة.


الإمبراطور نيرون رجل عابث ينوي استبدال زوجته الإمبراطورية ويحل محلها بوبيا المتآمرة. رغم شكاوى مستشاره الفيلسوف سنيكا، ومحاولة الإمبراطورة قتل بوبيا، ينجح نيرون في قتل سنيكا والاحتفال بوفاته في حفل فيه شرب الخمر، ونفي الإمبراطورة السابقة، وتتويج محبوبته المخجلة وسط الضحك الساخر من البلاط. الدويتو الأخير الجميل لنيرون وبوبيا يطغى على السخرية.

لماذا تناول مونتفردي المسن هذه القصة الفاضحة؟ يصعب قول السبب، إلا أن القصة مليئة بالشخصيات الثرية التي يرسمها بالموسيقى: الصوت الموحي لبوبيا، والصوت العفوي لنيرون، والإمبراطورة المقالة التي تنعى أحيانا حظها وأحيانا أخرى تهدد بالقتل. رغم أن كل الشخصيات فاسدة بدرجة معينة، كلهم عدا بوبيا يكشفون عن بعض الخير والتعاطف والشجاعة التي تكون مثيرة أكثر في عالم ملئ بالطمع والعنف والحكم حسب النزوات عالم ربما يشبه البندقية في عصر مونتفردي.

مع المصادر الناقصة، في عصرنا يعتمد نجاح هذه الأوبرا على التوزيع الخيالي والعرض المسرحي من الدارسين والمخرجين. حتى في هذا الوقت، لم تسعد النتائج الجميع، خاصة عند سماعها فقط في التسجيلات. معظم العمل عبارة عن إلقاء لحني بحت مع مصاحبة بسيطة توجد عدة مشاهد درامية كبرى أو آريات من النطاق الكامل. هذا ليس الأسلوب النشط والساخر لموتسارت مع الانقسامات الواضحة بين الآريا والرسيتاتيف أو الميلودراما المشحونة لفيردي. بدلا من ذلك بوبيا هي عمل بطئ ميلودرامي مهيب ثري بالعواطف الرفيعة والأخلاق.

لكن بالنسبة لمن يشعر بحساسية نحو هذا العمل، هو آسر كليا. صوت مونتفردي في الموسيقى الدرامية هي ضمن الأكثر مرونة في كل عصر، الموسيقى تتغير باستمرار لتتبع العواطف التي تتغير بسلاسة ضمن الإلقاء الملحن والأريوزو (أقسام تشبه الآريا القصيرة)، الفواصل الآلية، والكورس والآريات الكاملة مع الألحان الغنائية الخالدة. من كل الأساليب الأوبرالية، يمكن الجدال أنه أسلوب مونتفردي الذي يعكس بأفضل شكل الواقع دائم التغير على الأقل إلى حين النسيج الأوركسترالي المستمر لآخر أوبرتين لفيردي. كان مونتفردي فوق كل شيء من رسخ التقليد الأوبرالي الإيطالي، مع العاطفية الشديدة التي ظهرت لذروتها مع فيردي بعد مائتي عام.


رائعة مونتفردي الأخرى تعرف باسم "الصلوات المسائية لسنة 1610” أو "الصلوات المسائية للعذراء المباركة". موسيقاها تماثل لحد ما "بوبيا"، رغم أنها في أقسام أكثر وضوحا، "الصلوات" ما زالت عمل متدفق متنوع. هنا الآثار الملونة تزداد ببراعة مونتفردي الآلية والكورالية إضافة إلى كتابته الصولو. بعض الكورس يقترب من أسلوب عصر النهضة، مع الكونترابنط المحاكي، لكن الأغلب قريب من المارسة الثانية، وغالبا يتسم بالجمال المذهل.


جزء من قيمة "الصلوات المسائية" هي التجدد للآذان الحديثة للغة الموسيقية لمونتفردي ولتناوله للموسيقى الدينية. لا نجد التدين البروتسانتي لباخ، لكن بدلا من الديانة الكاثوليكية من البندقية والمعارضة للإصلاح. في موسيقى مونتفردي المنودية يوجد فرق قليل بين أساليبه الدينية والدنيوية. للصلوات المسائية ابتكر شكل نغماته الأساسية مبهجة والاحتفال الذي يبدأ مباشرة من الافتتاح الذي يترواح بين النفير بنغمات الرقص الحيوية. من حين لآخر في التاريخ يظهر عمل يتناول كل تيارات العصر في تجميع عظيم. ضمن هذه الأعمال القداس في مقام سي الصغير لباخ، والسيمفونية البطولية لبيتهوفن والصلوات المسائية لمونتفردي. إعادة اكتشاف مونتفردي تستمر تكتشف في العروض المحبوبة أكثر لحيوية خياله.

No comments:

Post a Comment