Thursday, April 10, 2014

فولجانج أماديوس موتسارت

فولجانج أماديوس موتسارت
لنحو قرنين كانت القصة تروى وتعاد روايتها: موتسارت اللغز المعجز، الطفرة التي لا تضاهى المجسدة في طفل شقي وسوقي، كتب الروائع قبل أن يبلغ العاشرة لكن أسيئ فهمه دوما وطارده الإهمال في مقابر الفقراء. هي إحدى القصص التراجيدية والمؤثرة في تاريخ الموسيقى. لكن تقريبا لا شيء من هذا حقيقي بالتأكيد كان موتسارت معجزة تساوي معجزته، كتابة سيمفونياته الأولى في الثامنة وأول أوبرا له في الثانية عشرة. مع ذلك شوبرت ومندلسون أنتجا أعمال أصلية وهامة في سن المراهقة أكثر من موتسارت. عكس شوبرت، نضج موتسارت ببطء وعمل بعناء (أيا كانت سرعته)، معظم أعماله العظيمة تأتي من آخر عشر سنوات له. أيضا خلال ذلك العقد كان محترما مثل أي مؤلف حي وتقاضى الأجر تباعا، حيث كسب أكثر مما جنى هايدن في معظم مشواره الفني. غالبا كان يحصل على ضعف الأجر عند كتابة الأوبرا. كان أحيانا لا يحصل على المال، مثلما يفعل الكثير من الناجحين، من الجمع بين سوء الإدارة وسوء الحظ. رسائل التسول التي كتبها لأصدقاءه في السنوات اللاحقة بالتأكيد تشير للأسف لكن عند وفاته وصل بدرجة سمحت له بدفع ديونه وأصبح في منتصف الثلاثين في حالة مالية جيدة.

في العام الاخير من حياته حين ذكرت الأسطورة أن موتسارت كان يتضور من الجوع قد تكون أفضل سنة قضاها على الارجح حقق أكثر من 100 ألف دولار. ورغم أنه كاي شخص آخر لديه نجاحات وخفقات نسبية لم يساء فهمه. ذكر ناقد ألماني معاصر ادان جون جيوفاني حيث اعتبرها شيء يخالف المنطق ويهين الأخلاق ويخطو في شر على الفضيلة والمشاعر شعر انه مجبر أن يضيف إن تمكنت أي دولة من الفخر بأحد أبنائها لذا لابد أن تفخر ألمانيا بموتسارت لم يحدث من قبل أن كانت عظمة البشرية ملموسة لهذا الحد ولا فن التأليف الموسيقي الرفيع لهذه الدرجة. هايدن قرينه الوحيد الحي اطلق على موتسارت أعظم مؤلف عرفه أو سمع به من قبل.

لكن في عصره حصل موتسارت على نفس السمعة لنفس الأسباب تقريبا مثل الآن – كعبقري لا يضاهى ونموذج للمستقبل كان في الواقع القرن التاسع عشر الذي اساء فهمه، كموسيقي وحياته واصر على تحويل حكايته إلى مسألة رومانسية عظيمة.

بالنسبة لشخصيته في حين أنه حقيقي أن موتسارت كتب بعض الرسائل الفاحشة للاصدقاء والاسرة وانه كان يميل للتجول مثل الاطفال في سنوات نضجه، تكشف رسائل أخرى ووصف معاصر عن شخص يتميز بالحيوية الذهنية والفصاحة في عدة لغات وملاحظ حاد للأشخاص والأفكار وفنان مفكر قادر على التحليل الواعي لأعماله وأعمال غيره. ولاخر صدمة في أسطورة موتسارت دفن مثل معظم الناس في فيينا في عصر سواء فقراء أو أغنياء. ومقبرة الفقراء خرافة أخرى.

تباعا فلنطرح سؤالين جديدين. اولا بما أن بعض الاطفال يمنحون احيانا مواهب خارقة لماذا نما شخص واحد فقط بهذه المواهب ليصبح موتسارت؟

هذا السؤال بالطبع بلا جواب. لكن العظة لا يمكنها نسب موتسارت كليا للآلهة. كان لديه قدر كبير ليفعله بنفسه بعض الفهم للمواهب الأخرى ناقص وبعض السخط. كان يمتلك مدرس ملحوظ في والده الذي درب الطفل ثم عرضه لافضل اثر في العصر. موتسارت درس موسيقى الآخرين طوال حياته حيث كسب دروس ارشدته عمله. أيا ما كان أثر القوى التي شكلت موتسارت مكنته من الصعود أعلى على السلم الذي في عصره فقط هو امتلكه.

والسؤال الثاني: لما الخرافات؟ بالطبع توجد فجوات حتمية في السجل التاريخي والعيوب في تفسير الدليل. لكن أهم من ذلك شكل كل من الاتجاه الرومانسي في القرن التاسع عشر والعصر الحديث في القرن العشرين شكل حياته إلى شيء أراد تصديقه: أن كل الفنانين تعرضوا للاهمال في وقتهم شخصيات مأساوية يمكن فهم عملها فقط في المستقبل. في الواقع كما اظهر خلال هذا الكتاب، معظم المؤلفين المهمين تاريخيا كانوا شخصيات شامخة في عصرها وعاجلا ام آجلا كانا مفهومين جيدا أحيانا نفهمهم افضل في حياتهم مما بعد ذلك. على سبيل المثال مؤخرا اعدنا اكتشاف الجانب المذهل والشيطاني في دون جيوفاني الذي رآها الناقد الالماني المعاصر بوضوح تام حتى لو كان ينص ذلك. المنظور الذي افتقر إليه معاصرو الفنان هو خاص بالتاريخ، نرى موتسارت وبيتهوفن على أساس أثرهم على المستقبل، وهو بعد القلق على عصرهمعلى أية حال العبقرية المهملة هي الاستثناء. في هذه الصفحات فقط يوهان سباستيان باخ وتشارلز آيفز والعديد من الآخرين يقتربون من ذلك النموذج

توجد خرافة أخرى رومانسية وحديثة لا تنطبق على موتسارت أن كل العباقرة مبتكرين ويشقون ويتمردون. من أعظم الثلاثة موسيقيين سادة الموسيقى الغربية - باخ وبيتهوفن وموتسارت – تلك الخرافة تنطبق فقط على بيتهوفن الذي كان ثوري حقا. كان باخ مبدع بالتاكيد لكن الأساس البوليفوني لموسيقاه كان خارج عن التقليد في حياته مع النتائج السلبية لسمعته في موسيقاه مثلما في حياته لم يعني موتسارت نفسه كثيرا بالمستقبل. كان سعيدا ليكون رجل في عصره يكتب لعصره.

عاش في تلك الفترة القصيرة – نحو 1770 الى 1800 – حين كان الاسلوب الموسيقي الغربي يتم بالسلامة غير المسبوقة حيث سادت المواقف الجمالية المماثلة في كل انحاء اوروبا. لغة موسيقى موتسارت تشبه اسلافه الكلاسيكيين مثل هايدن ويهوهان كريستيان باخ. كل ما كتبه داخل نوع معين – سيمفونية واوبرا ورباعية وترية – كان له تقليد ومجموعة معايير واجراءات تمسك بها اساسا. عمل بشكل افضل داخل التقاليد الكلاسيكية ولم يعارضها. وقد يكون ذلك النوع من الموقف الذي حققه ممكن فقط في حدود هذا التقليد الضيق.

علاقته بأقرانه العظماء اذن هي واحدة تتعلق بالجودة اكثر من الاسلوب أو الشخصية. اذا علمنا بيتهوفن قوة النشاط الثوري والفردية تحت السيطرة المنضبطة ويكشف باخ المجال الكامل للامكانية الابداعية الانسانية اذن يقف موتسارت كتجسيد لامكانية الكمال.

ولد فولجانج اماديوس موتسارت في مدينة العصور الوسطى سالزبرج النمسا لابوين هما ليوبولد موتسارت زوجته ماريا آنا في 27 يناير 1756. كان ليولبولد مؤلف ثانوي مرتبط بالبلاط المحلي ومؤلف كتاب هام عن تدريس الكمان. بعد أن ادرك ليوبلود نطاق موهبة فولفجانج صارت محاولته الاساسية هي عمل المستشار الفني لابنه.

بدأت المعجزة حين استجاب فولفجانج البالغ من العمر ثلاثة اعوام لدروس الموسيقى لاخته نانريل بعزف النغمات على الهاربسكورد. بدا ليوبولد في ان يلقي دروس لابنه ايضا. يمكننا فقط تخيل فرحه والتسائل على ما حدث الطفل الضئيل بدا يستوعب كل شيء يراه كانه بالفعل يعرفه. احد الايام التقط الكمان للمرة الولى وبدأ في العزف. في سن الخامسة بدأ في تأليف المقطوعات الصغيرة.

الظهور الجمهوري لفولجانج – اضافة الى نانريل موهبة اخرى على الكيبورد – جاء الى بلاط ميونيخ في يناير 1762 حين كان في السادسة ثم في فيينا عزف للامبراطورة ماريا تريزا بعد ذلك جلس في حجر الامبراطورة وبقدم لماري انطوانيت الصغيرة. الكلمات عن عرضوه انتشرت في اوروبا ونظر اليه كظاهرة علمية مثل قرد ناطق. كان ليوبولد سريعا في استيعاب امكانية تحقيق ثروة لنفسه ولابنائه.

بالتالي بدأت جولات الطفولة الغربية والرائعة لفولجانج. في صيف 1763 شرع ليوبولد والاطفال في جولة دامت لاكثر من ثلاثة اعوام واخذوهم الى القاعات البارقة وقاعات الحفل المبهجة في كل انحاء اوروبا وفي لندن. من هناك حتى بلغ 15 سنة قضى فولفجانج نصف وقته في الجولات. احتسب انه في نهاية حياته قضى اربعة من سنوات عمره ال35 في عربة السفر.

بقول آخر كان طفلا يقدم العروض الموسيقية حياته العائلية تشبه عرض السيرك المتجول. إعلانات ليوبولد لعروضه لم تكن راقية في الترويج للمنتج رغم أنها لم تبالغ: سيعزف كونشرتو للكمان وستصاحب السيمفونيات على الهاربسكورد والكيبورد مغطى بمفرش في الحال سيسمي كل النغمات المعزوفة على بعد مسافة. سيرتجل أخيرا حسب الرغبة وفي أي مقام. في ظل هذه الظروف نشأ فولجانج مثل الأطفال الذين يقدمون عروض في كل العصور التحكم الضعيف في العملية والمنطق. كل هذه الصفات امتلكها ليوبولد في وفرة طاغية. في مرحلة النضج انتهى الحال بنانريل مثل والدها. عادة كانوا يعارضون خطط فولجانج ومنطه لكنهم كانا في الغالب على حق.

بدءا من 1769 اصطحب ليوبولد فولجانج في ثلاث زيارات لإيطاليا، خلالها استوعب المراهق الأسلوب الإيطالي ودرس الكونترابنط وحصل على تكريمات تشمل الرتبة البابوية للرمح الذهبي. التكريم الأخير حصل عليه بسبب واحدة من خدعه الأسطورية وهي الكتابة من الذاكرة بعد سماع العمل مرتين وهو ’فلترحمنا يا إلهي’ لأليجري التي لم يسمح الفاتيكان بإخراجها من الكنيسة أبدا. بدلا من معاقبة موتسارت منحه البابا لقب الفروسية. بعد ذلك أحيانا كان يوقع اسمه ’الفارس موتسارت’.

الذاكرة الخارقة التي أظهرت هذه المقدرة أصبحت أحد أقوى أدواته. تمكن من تأليف عمل كليا في ذهنه - غالبا أثناء رحلة بالمركبة او أثناء لعب البلياردو وكان يذكر كل تفاصيل العمل. بالتالي كانت موسيقاه تتميز بحرية وعفوية الارتجال الذهني. كان ينسخ النوتة حين يصل لها وكان عادة في آخر لحظة. لكن إذا تعقدت الامور كان عليه وضع اسكتش ومراجعته مثل اي مؤلف غيره. احد الامثلة من رحلة نضجه كان افتتاحية دون جيوفاني التي وضعها في رأسه لكن بسبب الحفلات الكثيرة أجل كتابتها حتى يومين قبل اعرض الاولى. ثم مكث طوال الليل يكتب وكانت زوجته تطعمه وتروي له القصص لتبقيه مستقيظا ويسلم كل صفحة للناسخين مجرد إنهائها. النتيجة الاستثنائية كانت القراءة من النوتة لأول مرة اثناء العرض. واعترف موتسارت ان بضعة صفحات سقطت منه تحت المائدة.

أكثر جانب منتج من رحلاته في الشباب حتى أنه في كل مكان استوعب افكار وتاثيرات بحث والده عنها له اثناء هذا ابتكر اسلوب جمع السمات الموسيقية لدول عديدة. الأثر السلبي هو الطابع الغنائي الإيطالي والدعابة الجيدة. أثناء فترة البقاء في لندن سنة 1764 صار قريبا من يوهان كرستيان باخ ابن باخ الذي تلخص موسيقاه الإيطالية والأنيقة الأسلوب الكلاسيكي المبكر. أثرت موسيقى كريستيان على فولجانج بقدر ما أثرت على غيره إلى حين وصول النموذج الهام لهايدن.

نهاية كل رحلة في الطفولة كان حتما سالرزبرج التي بدات مبكرا ان تحيطه. هنا أكمل ليوبولد منصبه كمدير موسيقي للأمير/كبير الأساقفة. سنة 1771 كبير الأساقفة الكبير الذي كان دائما مرضي لأسفار موظفيه المشاهير مات. بديله كان هيرونيماس فون كولوريدو هذا الاسقف الجديد كان يملك أفكار أكثر صرامة عن المكان ومهام خدمه. بدأ بشكل مثير للجدل بما يكفي حيث رفع راتب فولجانج في منصبه كقائد للحفلات في البلاط الملكي. لكن الأسقف تضايق حين استدعى العبقري البالغ 15 سنة خارج البلدة لكتابة الأوبرات في ميونيخ وميلان.

قبل سنة 1777 كان موتسارت يسعى ليحصل على وظيفة في أي مكان عدا سالزبرج. استمر في وظائفه الصغرى في الغالب يكتب موسيقى كنيسته بالكاد كانت تهمه. ذلك العام ذهب في رحلة البحث عن وظيفة بصحبه أمه العليلة وانتهى به الحال في باريس. كان موتسارت وقتها يقترب من تحديه الأول الكبير لحياته وهو النمو. إنه شيء أن يعزف طفل بالغ عشر سنوات بعبقرية ويكتب السيمفونيات وشيء آخر لشاب في الثامنة عشر. في باريس، أصبح موتسارت لأول مرة محترف حر ويتنافس مع المحترفين الآخرين للفرص الفنية المتاحة. قام بجولات للصالونات وحصل على بعض التفويضات لكن في الأساس لم يحدث شيئا توفيت والدته في يوليو 1778 وفي أوائل 1779 اتجه للوطن يشعر بالاكتئاب والهزيمة. لكن في الطريق توقف في منهايم وهناك حدث شيء له دلالة أساسية.

في منهايم مكث مع اسرة تدعى فيبر التقى بهم في الطريق لباريس. تضمنت الأسرة أربع بنات، اثنتان منهما كانتا مطربتان ممتازات. الحتمي حدث: بدأ موتسارت يتودد لألويزا فيبر وهي الاجمل والأكثر موهبة في الأربعة. كتب بعض أروع الآريات الحفلات لها وأختها جوزيفا. بعد سنوات استوحي من جوزيفا دور ملكية الليل في الناي السحري. لكن رغم عاطفة موتسارت لألويزا فيبر، رحلة العودة انتهت بفشل آخر؛ كانت مهتمة بموسيقاه ليس بحبه. أثناء هذا حيث علم ليوبولد بنية ابنه استدعى فولجانج للوطن. الأب موتسارت اعتبر عائلة فيبر أدنى منه أيضا لم يريد أن يختار ابنه زوجة بنفسه. لكنه تراجع سالزبورج لم يكن موتسارت انتهى من آل فيبر ولا هم منه.

عند العودة للوطن حصل على وظيفة مرهقة كعازف أرغن للبلاط والكاتدرائية. في ذلك الوقت كان أستاذ للأسلوب الأنيق المبهج لليوم لم يكن بعد موتسارت العميق والخالد فقط السلس والمبهج مع تنامي قائمة بانتظام من السيمفونيات والأوراق وموسيقى الحجرة والموسيقى الكورالية في ملفه.

سنة 1780 ناخب ميونيخ حيث حقق موتسارت بعض النجاحات الكبرى دعاه للعودة لكتابة الأوبرا. النتيجة كانت إدومنيو، أول عمل مسرحي ناضج له في النهاية أفضل أوبراته الجادة. كتب معظمها أثناء البروفات حيث قدم الموسيقى للمطربين ملاحظا المؤثرات المسرحية وعدل التوقيت. بالحذف هنا والإضافة هناك (أحد مطربيه كان الألتو المذكر دال براتو). هذا تعلم دروسا عملية في الدراما والمسرح اثمرت في الأوبرات الكوميدية لاحقا.

إديومونيو تركت انطباعا واسعا في هذا الوقت وتظل جديرة بالسماع. لكن عبقرية موتسارت ستثبت أخيرا في الأوبرا الهزلية – الأوبرا الكوميك – بدلا من الأوبرا الجادة. كما لاحظت سابقا يتقرح بعض الدارسين أن الأسلوب الكلاسيكي لا يعمل جيدا للتراجيديا. أناقته وخفته الراقصة تناسب بشكل افضل نغمة وإيقاع الكوميدية اللاهث والنشاط سريع الحركة. من جهة أخرى يجد موتسارت طرق لإضفاء الجدية حتى المأساة على تقاليد الأوبرا الهزلية.

بعد انتاصره في ميونخ تقدم موتسارت لحدث حاسم في حياته – تسبب في تحرره. كبير الأساقفة هيرونيماس قرر السيطرة على هذا الموظف ليجعله يستقر ويتبع الأوامر في أوائل 1781 استعدى موتسارت من سالزبرج لفيينا حيث كان كبير الأساقفة في زيارة لها. حين وقف المؤلف أماه أهانه الأسقف لسوء خدمته. حين حاول موتسارت الدفاع عن نفسه طرد من المنزل.

على أي تقدير هذا ما كتبه موتسارت عن المشهد لليوبولد. في نفس الرسالة تعهد بترك سالزبرج والبحث عن خطه في أعظم مكان موسيقي في أوروبا وربما العالم وهو فيينا.

كان وقتها عمره 25 ومؤلف موسيقي حر في عصر حين كانت هذه طريقة مجازفة في الحياة. مهما كان لامعا كعازف ماهر ومؤلف سكن الآن بلدة يزحف فيها كل أنواع البشر كلهم طموحين وجوعى. مرة أخرى كانت الكنيسة المستهلك الرئيسي للفن الآن دفعت الأرستقراطية أجر معظم الفنانين إذا فعل أي شخص . آمل موتسارت في ربط نفسه ببلاط آخر كان الطريق المعتاد للنجاح. في النهاية لم تنجح الأشياء بتلك الطريقة.

في أول الامر عاش في فيينا مع عائلة فيبر الذين انتقلوا هناك من منهايم. الآن بعد أن رفضته أليوزا بدأت الأم التي صارت أرملة حديثا لتدفع لموتسارت اختها الأصغر كونستانز الأقل جمالا والأقل موهبة رغم غنائها الجيد. سمح لنفسه أن يقتنع حيث كتب لليبولد طلبا لمباركته على الزواج. تزوج فولجانج وكونستانز في أغسطس 1782 قبل وصول رد ليوبولد وإذنه الغاضب. بسبب الانفصال عن كبير الأساقفة وهذا الزواج المتسرع أصبحت العلاقات باردة بين الأب وابنه وظلت هكذا. كونستانز التي كانت العشرين لم تكن شريك له ذهنيا أو رفيقة روحه لكن هذا لم يبدو ما يبحث عنه زوجها. اراد موتسارت رفيقة لعب وزوجة متحمسة وكانت كونستانز المغازلة الحيوية كذلك. كن زوجها الجيد طفل ورجل يمكن أن يرتحل لحظة في ردهة أنيقة واللحظة التالية يقفز فوق الأثاث ويعوي كالقطة. كان أنفه طويل وعينه خرزية ولم يكن وسيما إلا لشعر رأسه الكث وهو مصدر زهوه الأساسي. في سنوات لاحقة بدا يماثل طائر صغير سمين. أحيانا كتب رسائل مليئة بالدعابة الفظة وكان هذا معتاد في عصره حتى أبويه كانا يقولان النكات الفظة. في نفس الوقت كشفت رسائله عن ملاحظ حاد للناس وكرم في الروح إلا تجاه الموسيقيين الآخرين لأنه كان يقرانهم بدقة لكن دون لباقة بأنهم لا يضاهوه في المهارة.

سواء في العلن أم بمفرده كان دائما متململ ويطرق أصابعه على كل شيء ويير بعصبة حتى أثناء غسيل يديهكانت كونتسانز تقطع له اللحم على المائدة حتى لا يقطع أصباعهكان يحب الموسيقى وكل ما يتصل بها عدا ذلك احب الرقص وبليرياردو والطعام والخمر والحفلات والنساء والتسلية عامة يتمتع لا يشبعه شيءلحين سنواته الاخيرة كان لا يهتم بالأدب والفلسفة والسياسة – ما لم يوجد فيها شيء يمكنه استخدامه ثم يمسك بهمولا يمكنه أكث ر من سواه شرح الأمور المسرحية التي تسمر في ذهنهإذن مع كونستانز لم يحتاج رباط روحاني معها لكن رسائله تعكس إعجابه بها.

مباشرة قبل زاجه أحدث موتسارت إثارة في فيينا بكوميديا لا تقاوم وهي "اختطاف من السراي". الحكاية تروي سيدتين نبيلتين باعهم القراصنة لباشا تركي مصمم للاستفادة من الغضب الفيناوي الحالي من كل ما هو تركي – القهوة والحلوى والسجائر والموسيقى التركية المستعارة التي تعتمد على الصنوج والطبول أيد الأوبرا شكلها كعمل سنجشبيل ألمانية وهو نوع شائع من الأعمال المسرحية بدلا من مسرحية موسيقية أمريكيةارتبطت الأغاني بالحوار المنطوقالفيناوين تناولا هذا المزيج من الذكاء والغرائبية.

بين الاختطاف وعروضه اللامعة للبيانو أصبح موتسارت لبعض الوقت الشخصية المحبوبة للبلدهو وكونستانز أخذا شقة مرفهة وأسسهاها بثراء بما في ذلك مائدة بلياردو فاخرةكان يشبع ذوقه للملابس الجيدة والزيارة اليومية من مصفف الشعر الخاص به

بالطبع لم يكونوا أثرياء حقا ولم يكونوا كذلك قط حتى رغم عنه كان يقدم الحفلات غالبا في أول عدة سنوات وأصبح واحد من أفضل عازفي الصولو في البلدة. يمكنه جمع المقابل لأكثر من 6000 دولار لعمل أمسية واحدة، بالقدر الذي جناه المسئولون في البلاط الملكي في السنة. مع ذلك كان موتسارت يملك الدخل غير المتوقع لموسيقي حر، عرضته للتهديد من دولة الاقتصاد الأذواق الضعيفة للجمهور الفيناوي وقمع أعدائه. نجاح الاختطاف تحقق مثلا رغم الخطط التي قادها أنطونيو سالييري رئيس الأوبرا الفيناوية والمؤلف المفضل للإمبراطور جوزيف الثاني. بذل سالييري أقصى جهده ليسئ من سمعة خصمه الشاب فزرع رجال في الجمهور ليصدروا ضجيج عند السماع. هذه الطريقة التي لعب بها المؤلف اللعبة. في تلك الحالة لم تنجح لكن سالييري كان خصما هائلا فدخل التاريخ في النهاية ليس كمؤلف لكن كقصاص من موتسارت. رغم أنه ليس الوحش الأنيق المرسوم في فيلم أماديوس. سالييري كان ببساطة أكثر خبثا في لعب الألعاب التي اداها جميع المؤلفين. ايضا موتسارت لاحقا اعتبر سالييري صديقه ولسبب وجيه ايضا.

لباقي حياته في فيينا عمل موتسارت بجهد كامل ونضج كامل. تيار ابداعه تدفق بسكينة خلال كل فوضى حياته فترات الازدهار والمرض الذي تسلل إليه.

اكثر من اي شيء اراد كتابة اوبرا لكن يعد "اختطاف من السراي" نظر في عديد من الليبريتو غير قادر على ايجاد موضوع يشعله. كان ملول من الآلهة الكلاسيكيين والحوريات ورعاة الغنم الذين سكنوا معظم الاوبرا الجادة حتى الاوبرات الاصلاحية لجلوك. كان يفضل كتابة الاوبرا الهزلية التي تضم مزارعين وخطط هزلية في الالحان. اولئك كانوا اشخاص حقيقيين نوع الناس الذين عرفهم وكذلك مشاكلهم. مع ذلك أراد ايضا الكوميدية مع الجدية كامنة فيها. حين صادف المسرحية الشهيرة لبومارشيه "زواج فيجارو" عرف أنه وجد ضالته.

قبل ذلك الوقت كان موتسارت يعمل في بلاط الامبراطور جوزيف الثاني على الامبراطورية الرومانية المقدسة. كان طاغية مستنير وراعي للفنون، فرض جوزيف اصلاحات واسعة المجال بما في ذلك ازالة العبودية مع تقييد سلطة النبلاء وعقلانية الممارسات الوحشيةإصلاحات جوزيف كانت دكتاتورية حتى أنه في النهاية نجح في تغريب. كل واحد تقريبا. رغم أنه كان بخيل بشكل مزمن في كل المسائل الأخرى مع ذلك حافظ على بلاط لامع شخص آخر هناك كان الشاعر وكاتب الليبريتو والمغامر لورينزو دا بونت: نصف نصاب ونصف عبقري متعلم لكن أيضا مدمن على النساء والحياة الراقية. موتسارت لجأ إلى دا بونت عرفها جيدا وعرف قد تسبب مشاكل - جوزيف حظر عرض المسرحية. لكن دابونت وعد بحل المسائل الأمور مع الإمبراطور.

رغم أنها كوميديا بالاسم، المسرحية إدانة حادة للنبلاء حيث يحارب الحلاق فيجارو وخطيبته سوزانا خطط الكونت المغازل ألمافيفا – أساسا في حقه معاشرة زوجاته الجدد. سماع خطة موتسارت لوضع هذه القصة اشتم خصومه رائحة الدم لكن دا بونت وعد الإمبراطور جوزيف أنه سيعدل الأجزاء المعترض عليها ووافق جوزيف على رفع الحظر ما زال تحت السطح المرح للأوبرا يظل الغضب على الظلم الاجتماعي. الدارس فولكار براونبيهرنز – مصدر الكثير من معلوماتي الخرافية – يقترح في بحث "موتسارت في فيينا" أن جوزيف كان يمكنه أن يشجع عمدا إنتاج فيجارو كجزء من برنامجه الخاص ضد السلطة الإقطاعية للنبلاء".

بالتالي بدأ تعاون موتسارت ودا بونت الذي أثمر عن 3 أوبرات خالدة. ربما أفضلها الذي حققه هو فيجارو التي كتبها في نحو 6 أسابيع من أوائل 1786. الأعضاء في البلاط الذي لم يقتصر قط على سالييري وحده، حاول قلب العازفين ضد الموسيقي لكن سرعان ما كسبهم في صفه، لاحقا يتذكر مطرب عن البروفات "العازفون على المسرح وفي الأوركسترا شعروا بالذهول وكانوا تغرقهم الفرصة حتى أنهم صاحوا وهتفوا مرارا وتكرارا "برافو مايسترو فليحيا موتسارت العظيم طويلا" في العرض الأول تضاعف طول العرض تقريبا لأن الجمهور طلب تكرار الكثير من الفقرات. أعرب الإمبراطور جوزيف عن سروره

ثم حدث انهيار مفاجئ.. فتحول اهتمام الجمهور لأوبرا صغيرة جذابة تعرف باسم una cosa rara للكاتب الأسباني مارتن سولير وراء ذلك مدلولات القصة عن حلاق يهين كونت لم تفوت على النبلاء، ورفضوا مسامحة موتسارت – وربما جوزيف – على هذه الإهانة. فيجارو تراجعت شعبيتها في فيينا بعد فقط تسعة عروض ولسنوات كثيرة نادرا ما معرضت هناك. لكن إنتاجها في براج بعد ذلك في الحال حقق نجاحا مذهلا. كتب موتسارت بفخر لوالده، "هنا لا يتحدثون عن شيء إلا زواج فيجارو. لم يعزف شيئا أو يغني أو يصفر إلا فيجارو. لم تجذب أي أوبرا مثل فيجارو. لا شيء سوى فيجارو. بالتأكيد شرف كبير لي".

حتما هذا النصر مؤقت.في تلك الأيام لا توجد إتاوات. يمكن أن يدفع المرء لكتابة العمل وهذا كل شيء، يمكن غناء المقطوعة في كل مكان والمؤلف لا يجني قرشا منها. الطريقة الوحيدة العيش كمؤلف حر كانت الكتابة والعزف باستمرار وتحقيق نجاحات منتظمة والأمل في بقاء الاقتصاد قويا. نحو 1786 ازدهر نشاط موتسارت الإبداعي كم لم يحدث من قبل. في ستة أشهر من نهاية 1785 حتى ربيع 1786 حين أكمل فيجارو. اكمل أيضا ثلاث كونشرتات للبيانو وعدة مقطوعات للصلوات الماسونية حيث اعتنق الماسونية وسوناتا الكمان والكثير من الاعمال الاصغر. لكن أثناء ذلك خاض الإمبراطور حرب كارثية مع تركيا كانت تستنزف موارد الدولة وحتما كانت شاقة على الفنون. لجعل الأمور أسوأ كانت كونستانز تعاني من مرض مزمن وقضت وقتا كبيرا في منتجعات باهظة الثمن. من جانبه موتسارت دائما اعتبر المال شيء ينفقه ويتمتع به بدلا من ادخاره للمستقبل. بعض المصادر تقترح أنه كان يقوم بقروض دون حكمة واستثماره وكان يقامر رغم عدم وجود دليل حاسم على هذا.

لكل هذه الأسباب الممكنة بين 1788 و1790 وقع موتسارت في الدين وتخلف عن سداده وبدأ يقترض من أصدقائه خاصة الأخ الماسوني بيتر بوخبيرج. سنة 1789 كتب له "يا إلهي لكم لا أتمنى لألد اعدائي الوقوع في موقفي الحالي. وإذا كنت انت يا صديقي الحبيب واخي تخليت عني لضعنا كليا انا التعس الذي لا لوم على وزوجتي المريضة المسكينة وطفلي.. القدر ضدي بقسوة.. حتى حين أريد لا أستطيع جني المال". هذه الرسائل ويوجد منها الكثير، لاحقا ساعدت في خلق خرافة موتسارت المهمل والفقير. مع ذلك ظروف حياته وقتها صعبة كما كانت، لا تبدو تعسة تماما مثلما صورها، نميل المبالغة حين يتوسل للاقتراض. في أية حال خلال عامين استقرت ظروف موتسارت المالية ثانية نادرا ما لاحظ المؤرخون أنه قبل وفاته بدأ موتسارت في سداد قروضه لبوخبيرج واهتمت كونستانز بسداد باقي الديون

ضمن فوائد سنوات فيينا كانت الصديقة الدافئة التي تطورت مع جوزيف هايدن. شهرة الأستاذ العجوز في انحاء العالم أراحته من الحاجة للمنافسة مع أحد، أيضا كان سخيا بطبيعته. كما رأينا لكل أحكام موتسارت موتسارت الخشنة لمعاصريه، كان سخيا في الإقرار بدينه لهايدن.

واحترام وكرم هايدن تلقى إهداء ست رباعيات وترية كتبها موتسارت من 1782 حتى 1785. مميزة في معالجته المساوية للآلات وثراءها الكونترابنطي هذه الرباعيات لهايدن ربما هي أكثر الأعمال المهدة التي كتبها موتسارت فالمسودات تعكس المراجعة وإعادة التفكير. 3 منها قرأها أولا في فيينا في أمسية أوائل 1785 مع كلا المؤلفين يعزفان ووالد موتسارت حاضر. في النهاية هايدن المتأثر قال لليوبولد: "أمام الله وكرجل أمين، ابنك أعظم مؤلف عرفته إما شخصيا أو بالسمعة".

براج استجابت للولع بفيجارو لاستدعاء موتسارت ودا بونت لكتابة اوبرا أخرى سنة 1787. البحث عن موضوع مثير قرروا بشأن اسطورة دون جوان العجوز آخر الأمر حللها بالنصيحة الفنية من صديق لا بونت وزميله المغامر كزانوفا الذي اسهم في مشهد أو اثنين. كتب دا بونت الكلمات في غرفة في منزل الراعي، في الغرفة المجاورة مائدة مزودة باستمرار بالطعام والخمر وغرفة ثالثة احتوت امراة شابة ظهرت باخلاص عند رنة جرس. في العنصر الاخير للالهام دا بونت كتب: "أود أن احبها كاخت لكن..”. بالتالي وضع معا احد من اقوى الاوبرات كلها، اختمار غريب للكوميديا والتراجيديا والدوي الخرافي، "دون جيوفاني".

رغم كل رفضه في ان يناسب اي قالب العمل حقق نجاحا مدويا في براج وفشل اخر حصل على مديح كبير في فيينا. رد فعل الامبراطور جوزيف وضع النبرة: "الاوبرا سماوية ربما حتى اجمل من فيجارو. لكن لا طعام لاسنان الفيناويين". البعض وجد الموسيقى اعقد من اللازم مع تردد صدى الحكاية الشهيرة لجوزيف يقول "نغمات اكثر من اللازم لموتسارت" والمؤلف يجيب "قدر ما يوجد نفس هذا القدر جلالتك". لكن في القالب لاقت الموسيقى مديحا في حين ادينت الحكاية على انها مدانة بوصفها لا اخلاقية أو حمقاء. من الواضح الكثير من قلة النجاح في فيينا يتعلق بمزيج الاوبرا للانواع الكوميدية والماساوية، الفيناويون المتصلون بالتقليد ارادوا ان تكون الامور شيء أو اخر. مع ذلك حين توفى موتسارت كانت دون جيوفاني منتشرة في كل انحاء المانيا والنمسا وبراج، الاشهر في كل اعماله المسرحية (رغم انتاج الاوبرات الاخرى بانتشار كذلك).

في هذه السنوات المشاكل المالية كان تطارد موتسارت كالشياطين. حين جمع عمولة جيدة، بدأت تتبخر. عام 1789، حين أحضره وليام الثاني ملك بروسيا لبرلين ودفع بسخاء لسلة أعمال، لكنه عاد لفيينا دون مال ودون إيضاح. كونستانز كانت تنجب الأطفال باستمرار لكن لم يحيا سوى اثنان من الستة أبناء – وكانت تزور المنتجعات. لجعل الأمور أسواء مات ليوبولد في مايو 1787 دون حل مشاكل أكثر من اللازم بين الأب والابن ودون قول الكثير وفعله.

معظم هذا كان جزءا من حياة الفنان في القرن الثامن عشر. مذكرات دا بونت تذكر بالتفصيل حكاية مماثلة لتحسن وتدهور الأمور حيث عاش في قصر سنة وفي مكان فقير السنة اللاحقة. كان الفنانون شحاذون حقا طفيلين وكان النبلاء أنفسهم معروفين أنهم سيفلسون تماما. كان موتسارت بالفعل تحسن وضعه ماليا سنة 1791 كما فعل دا بونت من حين لآخر لكن قبل أواخر 1780 كان موتسارت مريضا دون توقف. ربما كان مرض الكبد يقتله ببطء من العلوم الطبية لهذه الأيام يصعب تحديد السبب. تدهور حالته البدنية هو وكونستانز تسببت في نشر اليأس في كل حياته.

مع ذلك معنوياته الصبيانية لم تتراجع قط ولا تدفق الإلهام لديه. في فترة دامت ستة أسابيع في صيف 1788 حيث كان حظه في أسوء حال، كتب آخر 3 سيمفونيات له، من 39 إلى 41. في هذه الأعمال احضر القالب السيمفوني الكلاسيكي لأعلى درجة امتياز له قد يصله ابدا واشار للطريق تجاه النطاق والكثافة التي جلبها بيتهوفن الى الموسيقى السيمفونية

كانت هناك بعض الاكتشافات المحولة أثناء عقده الأخير. مع صديقه بارون فان سويتن امين مكتبة في البلاط وهاوي للموسيقى بدأ موتسارت بعد 1782 لدراسة "الكلافيير المعدل" و"فن الفوجة" لباخ. هذه الدراسة أنتجت إعادة إحياء للكونترابنط التي أضافت عمقا موسيقيا وروحانيا لروائع موتسارت الأخيرة.

التطور الآخر كان أكثر إثارة للدهشة. رغم أنه كاثوليكيا بالاسم انضم موتسارت الى الطافئة الماسونية سنة 1784. في ذلك الوقت الكنيسة الكاثوليكية والنمسا الكاثوليكية مالت لاعتبار الماسونية مؤامرة شيطانية ضد السلطة التي نظمها الله. مع ذلك ادخل جوزيف الماسونيين ضمن مستشاريه. كان سابقه وخليفته الذي دفع بالماسونية للاسفل. لكل اللامبالاة الماضية نحو السياسة الفكر الديمقراطي للماسونيين المعدودين ضمن اعضائهم مثل شخصيات التنوير مثل فولتير وجوته وبنجامين فرانكلين تركوا اثرا كبيرا على موتسارت. الموسيقى التي كتبها للاحتفالات الماسونية كان لا نبرة عظمة جادة وهي جديدة على عمله. في الماسونية اعتنق المثل التي لاحقا الهمت بيتهوفن: الحرية واخوة الانسانية. هذان الاكتشافان الاخيران، باخ والماسونية يتعلقان كثيرا برائعته الاخيرة للمسرح وهي الناي السحري.

قبل ذلك في اوائل 1790 شهد العرض تعاونه الاخير مع دا بونت "كلهم يفعلون ذلك". هذه القصة عن الخيانة تتبع عامة تقاليد الكوميديات الغرامية للفترة: رجلان يختبران حبهما بقسوة لمعرفة مدى أخلاصهما وتفشل السيدات في الاختبار. لكن في النهاية تستعرض حياة الاربعة الى فوضى سيئة ونتعجب ما هو المضحك لهذا الحد. ربما موتسارت عكس شعبية الاوبرا بموسيقاه جاعلا الازمة محددة للغاية. المعاناة الكوميدية حقيقية جدا. على اي تقدير لكل النصر ظلت هذه الاوبرا الاقل شعبية من كل الثلاث اعمال العظيمة التي تعاون فيها موتسارت مع دابونت.

موتسارت لم يرتكب نفس الغلطة المرة القادمة: الناي السحري محبوبة حقا في الاسلوب والحكاية وحققت نجاحا كبيرا. بشكل ما نجح في جعل هذه الاوبرا الاعمق من كل اوبراته.

الدافع لكتابة الناي السحري جاء من شخصية متلونة تدعى ايمانويل شكاندرممثل ومتعهد وماسوني ادى شيكاندر شكسبير وكلاسيكيات اخرى لكن كان يملك طموحا فنيا صغيرا يتجاوز اعطاء الجمهور ما يريد. اقام مسرح حيث انتج ومثل في المسرحيات الكوميدية المناسبة للذوق الشائع مع تاكيد على المواضيع الغربية والمؤثرات المسرحية اللامعة. موتسارت وشيكاندر اصبحا رفقاء في الشارب ليرفع موتسارت معنوياته كان يلجا الان للخمر والاغاني وربما للنساء ايضا. الممثل كان مصدر خصبا لكل هذا.

في مارس 1791 اقترح شيكاندر مشروعا: سنجشبيل ماخوذة عن قصة خيالية تعرف باسم "لولو" أو الناي المسحور. موتسارت وافق دون تردد، احتاج المال ولا يمكنه الانتقاء. لذا بدا شيكاندر في كتابة الليبريتو حيث كتب لنفسه دور صائد الطيور بابجينو. لكن بعد كتابة ثلث العمل قدم واحد اخر انتاجا ناجحا لنفس القصة. لا مشكلة من الواضح شيكاندر ببساطة. حول كل شيء في المنتصف البطلة الاصلية كانت ملكة الليل التي اختطف الشرير سارساترو ابنتها بامينا وهو رئيس جامعة غامضة، بعد المراجعة ظهر سارسترو كشخص نبيل اختطف بامينا لصالحها واصبحت الملكة ساحرة خائنة. اثناء عملية المراجعة تعرض الليبريتو لتيارين واحد سيء الحظ والاخر مثمر


العنصر السيء هو جرعة شديدة من معاداة النساء: الذنب الأساسي للملكة كما يبدو هو تحدي سلطة الرجال. موتسارت على الأرجح لم يهتم كثيرا لهذا المحاولة الرثة في التحفيز الدرامي. ما حركه بوضوح هو ان شيكاندر أيضا حول المسرحية الى رمز واضح للماسونية. أخوة ساسترو تشبه الجماعة المساونية مكتملة باحتفالات شبه مصرية.

في اكثر عمل مرهق في مشواره الفني، حول موتسارت التجميع الضعيف لليبريتو الى حكاية خيالية راقية للكبار. تتحرك بسلالة من الشعبي الى الباحث والعميق. في آريات سارسترو وكوراس الإخوة تتحدث النغمة الجادة لموسيقاه الماسونية. (جورج برنارد شو دات مرة قال أن آريات سارسترو هي الموسيقى الوحيدة التي كتبت لصوت الله). كما يغني الكورس إعادة ميلاد الحكمة، نسمع التآلفات الافتتاحية لعصر جديد من الانسانية بزوغ التنوير والديمقراطية. حتى لو في الواقع الفجر الجديد لن يتضح تجاوزه كما بدا في توقع هذا، فإن موسيقى موتسارت اسرت عظمة ذلك الحلم العاطفي لكل العصور.

قبل منتصف 1791 كما يبدو عرف موتسارت أنه كان يحتضر. لم يؤثر على إنتاجه أو حتى اسفاره. في منتصف ذلك العام ألف بسرعة اوبرا جادة تعرف بعفو تيتاس للتويج الملكي في براج وذهب هناك ليقود العرض الاول. لا يعتبر العمل الافضل مما كتب، لم يلاقي نجاحا. رسائله من تلك الفترة تفصح عن تامل غير مميز كتب لكونستانز "لو أمكن للناس النظر في قلبي، على الشعور بالخجل تقريبا – اجد كل شيء بارد – كالثلج". مع ذلك بعد يوم أو نحو هذا لاحقا. سيكتب بحماسه القديم لتناول وجبة جيدة.

الرعب الاخير وصل بابه في يوليو 1791 في شخص رجل غريب يرتدي زي رمادي رفض التعريف بنفسه لكنه كلف موتسارت بكتابة قداس جنائزي. وافق موتسارت على التكليف وشرع في العمل بدأ يتخيل ان هذا الرجل الغريب هو الموت نفسه وان القداس كتب لوفاته هو. في رسالة كان يهزي بالقول "لا يمكنني أن ازيل من عيني خيال الرجل الغريب. اراه باستمرار. يتوسل اليه ويستجديني ثم يامرني ان اعمل. انا على حافة الموت لقد انهيت حياتي قبل ان اتمكن من التمتع بموهبي.. بالتالي لابد ان انهي اغنية جنازتي التي لا يجب ان اتركها دون اكمالها". (لكن جدير بالذكر ان هذه الرسالة قد تكون مزورة في القرن ال19).

في النهاية ترك القداس دون اكماله. هل كانت هناك موسيقى اكثر بعضا من الكورس الافتتاحي؟ ما زال يسيطر بثبات على موتسارت، مهيب في نبرته وحساس لكل إشارة في النص لكنه ايضا عمل رجل يحفر في قبره الخاص. هناك يتكلم احيانا عن عمق من العذاب الشخصي الذي نسمعه ابدا في الموسيقى مرة اخرى حتى اعمال مرحلة النضج لبيتهوفن خلال العمل تألق الكونترابنط الذي يميز باخ ينير القداس ويدوس صوته بالامل والفرح مثلما بالماساة الموت.

بالمناسبة يوجد ايضاح بسيط للغز التكليف بكتابة العمل. المرسال السري جاء من كونت يدعى فرانز فون فالسيج موسيقى هاوي خطط كما هي العادة في نسب القداس لنفسه. بعد وفاة موتسارت اعترف الكونت بخطته.

قبل وفاة موتسارت باسبوعين، قاد كنتاتا ماسونية كتبها حديثا لافتتاحية معبد. كانت آخر مقطوعة كاملة له. بعد يومين لازم فراش الموت وهو ما زال يعمل في القداس. وصل الخبر ان الناي السحري الذي بدأ ببطء أصبح عملا حقق نجاحا كبيرا. في الفراش بدأ موتسارت يحسب توقيت العروض الليلية ساعته وهو يقول: "الآن آريا ملكة الليل .. الآن يأتي سارسترو".

وصل خبر آخر: بعض النبلاء المجريين أمنوا له معاشا سنويا سخيا يعني نهاية مشاكله المالية. هذه المنحة الارستقراطية كانت بداية نظام جديد للفنانين، بيتهوفن والمؤلفون الآخرون الذين يعملون بشكل حر جنوا عيشهم من هذه المصادر. رغم أن المعاش غطى عام مربحا لموتسارت وان بمستقبل اكثر آمانا كان الاوان قد فات.

في ليلة 4 ديسمبر ناضل ليغني اجزاء من القداس الجنائزي مع تجمع بعض الاصدقاء حول فراشه. كانت كونستانز، التي عادت مؤخرا من منتجع آخر، كانت هناك مع طالب موتسارت فرانز سوسماير الذي وعد الرجل المحتضر انه سيكمل القداس. (سوسماير فعل كما وعد وخبيرا). جاء طبيب وطبق علاج البرد على رأس موتسارت المحموم، هذا ادى الى غيبوبة. حين فحصوه بعد منتصف الليل في 5 ديسمبر 1791 كان قد مات.

نتج عن الجنازة خرافات كثيرة. عكس الاسطورة اللاحقة، عدد من الناس ظهروا. الصلاة والدفن اجرى وفقا لمراسيم صارمة وقصيرة الامد للامبراطور جوزيف، التي كانت مصممة لمحو صلوات الجنازة الباذخة وانهاء ممارسات الدفن غير الصحية داخل جدران المدينة لذا مثلما مع معظم الجنازات في تلك السنوات الصلاة اقيمت في المدينة، في كاتدرائية سانت ستيفن ولاحقا ذلك المساء كان الجثمان خارج جدران المدينة للدفن في قبر جماعي الصباح التالي. مع هذا التاجيل (التاكيد من الوفاة) اصطحب عدة من المعزين في تلك الايام الجثة لموقع القبر الذي كان دائما بسيط وليس له علامة. في الواقع يفترض ان الاجسام توضح في شوال كتان قد هذا يكون ثم مع موتسارت. المزج التاريخي دخل بسبب كره عمل اوامر الدفن ولم يعمر طويلا بعد جوزيف: سرعان ما نسيت فعليا وبالتالي ازدهرت خرافة دفن موتسارت في مدافن الفقراء في العصر الرومانسي.

مات موتسارت لكنه لم يكن فقيرا أو منسيا. صلاة تذكاريا في براج في 14 ديسمبر احضرت الاف الاشخاص لسماع قداس جنائزي عزفه ابرع الموسيقيين في المدينة، احدى الروايات في الصحف رات ان "تدفقت دموع لا تنتهي في ذكرى اليمة لذلك الفنان الذي حركت هارمونياته القلوب لتشعر بالفرح".


كانت هناك صلاة تذكارية في فيينا، الموسيقى قادها انطونيو سالييري. لسنوات استمرت شائعة انه سمم موتسارت. رغم ان سالييري ربما اعاق مشوار موتسارت الفني هنا وهناك، لم يكن هناك بالنسبة للشائعة ولم تدمر سمعة سالييري. في الواقع وسط الكرم الاخر لم يمر وقت طويل قبل ان يموت موتسارت اعد سالييري عرضا جلس في حضور عرض الناي السحري الى جانب المؤلف الموسيقي وصفق بشدة في كل فقرة من العرض. سالييري واصل العمل ليكون معلم مكرم درس ضمن اخرين لبيتهوفن وشوبرت وليست وكارل ابن موتسارت الذي اصبح مؤلفا مغمورا لكن محترما. كاتب الليبريتو لورنزو دا بونت انتهى به الحال في امريكا، حيث قام بتدريس الايطالية في جامعة كولمبيا وادار متجر لبيع الخضروات مع سرقة بعض المنتجات منه. اصبحت كونستانز ارملة محترفة للمؤلف فتزوجت دبلوماسي دانماركي وعاشت بعده كذلك، ظهر على قبره الكلمات التالية: "هنا يرقد الزوج الثاني لارملة موتسارت". 

سبب وفاة موتسارت نسب هذا الوقت لحمى ملاريا وهو تشخيص مبهم الدلالة ولاحقا أخطئ في كتابته ليصبح حمى عسكرية. البحث الحالية يقترح أن الحمى الروماتزمية هي التي أودت بحياة موتسارت على الأرجح ساعد في ذلك أطباؤه الذين تضمنت علاجتهم النزيف وهو إجراء شائع وغالبا قاتل في هذا الوقت. بقول آخر لا الفقر ولا الإهمال ولا السم قتل موتسارت لكن بالأحرى كانت إرادة الله الذي خلقه بهذه الروعة.

صورة موتسارت وموسيقاه تطورت بانتظام منذ عصره. في عصره فهم عامة أنه يضاهي رأي مؤلف عاش من قبل. حين وصل بيتهوفن في فيينا بعد وفاة موتسارت بوقت قصيرة وهو المعاير الذي تم به قياس موتسارت فوق كل شيء.

بعض مؤلفي القرن التاسع عشر زعموا أنه منهم. بالإشارة إلى القدرة التعبيرية وأحيانا الحدة الشيطانية لعمله أعلنوا موتسارت أول رومانسي في الموسيقى. قيود الكلاسيكية لم تهمهم بهذا القدر. لكن قبل منتصف القرن الاهتمام ببيتهفون دفع موتسارت جانبا ثم بدا أكثر قليلا من دمية صينية وأنيق أكثر من أن يشمل العواطف البطولية.

لكن دائما سيطر أثره على الموسيقيين. فن بيتهوفن وشوبرت وروسيني له أساس من موسيقى موتسارت وبالطبع هايدن. حتى فاجنر وتشايكوفسكي رغم الإفراط الرومانسي لديهما أحبوا موسيقاه. في هذا القرن الاستحضار المشتاق لعالم موتسارت موجود في كل مكان من السيمفونية الكلاسيكية لبروكفييف إلى الفارس ذو الوردة لريتشارد شترواس إلى أعمال سترافنسكي في الفترة الكلاسيكية المجددة.


فقط مؤخرا أعدنا اكتشاف عمق أعماله. حقيقي أن العواطف لدى موتسارت تميل لان تكون خفية، مثلما تكون وراء أقنعة قاعة حفل تنكري. يمكن رؤية هذا خصوصا في الأربع أوبرات الكوميدية العظيمة. رغم أن كل شيء يبدو كوميديا تافهة وراء السطح يوجد عالم من القتل والشهوة والإغراء والخيانة وصراع الطبقات وأخيرا الحب. كل هذا في الثياب الأنيقة ونغمات لا تضاهى


هذا لا يعني تجاهل العبقرية الفنية. معظم الفن موجود داخل التناقضات وهو الشد المركزي الذي يهدد بتمزيقه. هذه النزاعات قد تكون نشطة ومثيرة. لكن في موتسارت نجد لحظة في التاريخ حين كل شيء موجود في صورة مشعة تشير لوحات فيرمير، من الظاهر توازن دون جهد. موسيقاه – حتى الأقل إلهاما منها – عالم واضح حيث لا شيء يهدر، كل شيء ضروري. لذا هو ضمن الاكثر تحديا من المؤلفين لعزفه. عازف البيانو العظيم آرثر شنابيل قال، "موتسارت أسهل من اللازم للأطفال وأصعب من اللازم للفنانين".

أشهر مقطوعات أصغر هي المكان الجيد الذي نبدأ منه لأنها متميزة كليا في الأسلوب والطابع. "موسيقى قصيرة للمساء" تقدم اربع حركات من سحر موتسارت في الأصل هي سرينادة مصممة لتصحب وسائل ترفيه الأرستقراطيين الموسيقى الكورالية الهادئة ave verum corpus التي كتبها قرب نهاية حياته، ضمن الأكثر تأثيرا في مقطوعاته الدينية. المقطوعة الرائعة بالمثل هي السينفونيا الكونشرتانتة في مقام مي بيمول للكمان والفيولا والأوركسترا، وهي عمل رائع من سنوات سالزبرج.


ال17 كونشرتو للبيانو التي كتبها في فيينا كأدوات لنفسه تقع أعلى موسيقى الآلات له، على الأقل ستة منها أيضا تميز ذروة الأدب الكامل للكونشرتات الصولو، مع بيتهوفن فقط الذي يقف لجانبه. من هذه سأوصي باثنين كبداية، واحد مشرق والثاني حزين. كان معتاد أن يكون لدى موتسارت عمل مشرق في مقام صول الكبير تجاه الحياة والموسيقى. كونشرتو البيانو في مقام دو الكبير تصنيف كوشيل رقم 467 قد يبدو مؤيدا لذلك المفهوم (لودفيج فون كونشيل رتب أعمال موتسارت بالتسلسل الزمني سنة 1862). هذا الكونشرتو حقا لديه أكثر حركات خارجية مشمسةفي المنتصف ينتشر واحد من أعظم حركاته البطيئة مع البطء الرومانسي الذي لم يمسه ثانية قط. لا يظهر موتسارت أفضل من الحركة البطيئة موهبته التي لا تضاهي للتحويل بشكل معبر من الألم للسرور، والسؤال المرير إلى الرد مرض بثراء. الحركة استخدمت مع نتيجة جيدة في فيلم رومانسي للستينات وبالتالي المقطوعة بالكامل أحيانا تعرف بكونشرتو إلفيرا ماديجات.

مختلف تماما الكونشرتو في مقام ري الصغير تصنيف كوشيل 466 الذي يبدأ مع همسة قلقة تصل للصراخ. هذا هو الجانب الشيطاني لموتسارت بالتاكيد أكثر تقييدا من التعبير عما هو شيطاني في الموسيقى اللاحقة لكن مؤثر في عصرهنفس الشيء ينطبق على الرقصة المجنونة في الحركة الأخيرة. فيما تنتهي الحركة البطيئة تبدأ بإيماءات لطيفة بشكل مخادع لكن في المنتصف يوجد تدفق مدهش للحدة. في نهاية الكونشرتو مثل فتح الستار جانبا يأتي تحول مفاجئ لري الكبير حيث ينهي المقطوعة باندفاع من ضوء الشمس. هذا النوع من التحول إلى المقام الكبير خدعة قديمة تمت ألف مرة، أعمال موتسارت تبدو مثل الإلهام.

هذا الإنتاج الكبير لموسيقى الحجرة يوضع نفس البراعة والتنوع مثل كونشرتاته للبيانو، الذي يعتمد على التقليد المصقول للأعمال الاولى للروائع الفريدة لسنواته الاخيرة. من رباعياته الوترية سأختار اثنين من الستة اهداها لهايدن – مرة اخرى، واحدة خفيفة وواحدة كئيبة. الرباعية في مقام ري كانت واحدة من مقاماته الاساسية مرارا وتكرارا احضرت اكثر جانب معبر له.

الرباعية في مقام ري الصغير تصنيف كوشيل رقم 421 تقريبا مثل آهات بيتهوفن وثراء التركيب في اول ثلاث حركات، على العكس المجموعة العابثة نوعا ما – رغم انها ما زالت في مقام صغير – مجموعة من التنويعات في الخاتمةمن بعض الأثار الهارمونية المذهلة في البداية، الرباعية في مقام دو الكبير تصنيف كوشيل رقم 465 معروفة باسم "المتنافرة"، بعد الحركة الاولى الجادة تصل الى خاتمة راقصة، رغم لا شيء من هذا يقترب من الاشراق الاسطوري في مقام دو الكبير الذي يميز موتسارت.

هو غير مالوف ضمن المؤلفين في ان خماسيته الوترية على نفس مستوى رباعياته. جزء من السبب قد يكون ان موتسارت احب عزف الفيولا في رباعياته الوترية. جزء من السبب قد يكون ان موتسارت احب عزف الفيولا في موسيقى الحجرة لذا استلهم من ثراء التي الكمان والتي فيولا وتشيللو. الاشهر من هذه هي الخماسية في مقام دو الكبير تصنيف كوشيل رقم 515 والخماسية المريرة في مقام صول صغير تصنيف كوشيل رقم 516.

رغم أني أكرر هذا التأكيد على القول ثانية ان موسيقى الحجرة لموتسارت لالات النفخ تميز قمة برنامج حفلات أخر. في وقت متاخر من الحياة احب الصوت المعبر للكلارنيت وابرع ثمار لذلك ان الخماسية في مقام لا تصنيف كوشيل رقم 581 للكلارنيت والرباعي الوتري. فصاحته الميلودية ليست اكثر اختراقا مما هي هنا، تملك اناقة موسيقاه الاولى لكن اهمية وعمق مقطوعاته الاخيرة. كان ايضا واحدا من المؤلفين القليلين قبل القرن الشعرين ليكتب موسيقى للالات الوترية الاعلى في قالبه. افضل مثال لذلك هو السرينادة في مقام سي بيمول تصنيف كوشيل رقم 361 لمجموعات الاوبوا والكلارينت والباسيت هورن (نوع من الكلارنيت الخفيفض) والهورن الفرنسي والباصون. (الحركة البطيئة الشعرية منها استخدمت في الفيلم "أماديوس").

كمؤلف سيمفوني كان موتسارت تقليدي في الغالب، فقط ستة أو نحو ذلك من سيمفونايته التي تبلغ عددها 41 في برامج الحفلات المعتادة. (يمكن قول نفس الشيء عن سوناتاته للبيانو). لكن تلك السيمفونيات الستة تصل لقمم هذا النوع. من الاعمال الاولى جرب سماع عملين لهما اسماء: "هافنر" الاحتفالية و"براج" المكونة من 3 حركات التي تبدو تاخذ جزء من النبرة الحكيمة لفيجارو التي كانت شبه معاصرة لها.

هذا يحضرنا لأخر 3 سيموفنيات من 39 الى 41 التي كتبها في الستة اسابيع لسنة 1788 رقم 39 في مقام مي بيمول له شبه ثراء رومانسي للبناء والتعبير ، النبرة في الاساس جادة لكن ليست مهيبة، الى حين كسر التعويدذة بفرح السباق في الحركة الاخيرة. السيمفونية رقم 40 في مقام صول صغير ربما لم يتوفق عليه اي مؤلف بما في ذلك موتسارت نفسه. هو عمل اخر من اعماله في لامقامات الصغيرة التي تكون روحانية هنا وغنائية هناك واحيانا شيطانية – خاصة اللحن الصاروخي في الحركة الاخيرة. خلال اعمل نجد اقتصاد مذهل في الوسائل ومنطق للكشف عن العمل. بعد تحليق بيهوفن العاصف في السماء اصبح من الاصعب ايجاد العمق التعبيري لعمل كهذا. في حركة واحدة يمكن ان يشمل موتسارت مجالا من التناقض والتنويع لكن عكس بيتهوفن الذي دائما يوضح لك مدى صعوبة عمله يتناول موتسارت كل اتجاه للفكر دون جهد حتى يمكن ان يفقد المرء بسهولة كم الموهبة التي في العمل


السيمفونية الاخيرة ليست رثائية لكن مهيبة وغير ذاتية نوعا ما، إشارة لتلك النبرة رقم 41 لفترة طويلة سميت بجوبيتر. الخاتمة وهي جولة من الكونترابنط ربما الاكثر اذهالا من الاربع حركات المذهلة.

اخيرا نصل للاوبرات. مرة اخرى ارى ان موتسارت يصل لقمة هذا البرنامج ايضا (رغم ان على القتال على هذا مع مناصري فاجنر وفيردي). زواج فيجارو ودون جيوفاني والناي السحري كلها تظهر عبقرته غير المسبوقة في رسم الشخصيا المادية والنفسية في الموسيقى: في دون جيوفاني نمسع طريقة المشي المحكة للخادم ليبوريليو، في فيجارو نجد الاحتراق البطئ لضجة الكونت وسوزان الحكيمة المصممة وفي كل اعمال موتسارت المسرحية التوزيع الاوركسترالي – الذي يكون احيانا متنهد واحيانا مندفع وديناميكي – يسيطر على كل التلميحات في الدراما.

في "زواج فيجارو" يقع الخدم في الحب ويتزوجون ويقاومون النبلاء الذين يمثلهم المافيفا. معظم العمل مضحك وجذاب جدا، الموسيقى لامعة كالفضة. في الوقت نفسه التسلية والالعاب تخفي دراما اجتماعية ذات صلة خالدة صورة لمن في قمة عمود التوتم يقاتل للكرامة والحرية مع الاسلحة الوحيدة التي لديهم وهي الذكاء.

اذا كانت فيجارو كالفضة فدون جيوفاني كالذهب القديم مزيجها للهزل والوحشية والرعب الاكثر ظلاما في النبرة. هي كوميدية حيث يغوي خنزير قاتل له سحر لا يقاوم ويفسد كل من حوله بما في ذلك نحن المشاهدين حيث تفتح الارض ويسحب دون جيوفاني للجحيم دون ندم ياخذ بعض تعاطفنا معه. الشهوة تضم كل شيء والتوازن الاخلاقي يمكن استعادته فقط بالتدخل الالهي – الذي كما يعرف موتسارت باقينا لا يبدو انه يحدث في الواقع.

في الناي السحري اختطف سارسترو بامينا من والدتها ملكة الليل. بامينا اخيرا حررها حبيبها المقدر لها تامينو بمساعدة صائد الطيور المهرج باباجينو (الذي وجد حبيبته المقدرة). بعد اجتياز الازمات من الحريق يصل تامينو الاخوة المستنيرين بقيادة سارسترو الالهي وتقمع الملكية المظلمة ضد الضوء.

تعثر موتسارت وشيكندر في شيء اعمق من ربما ما ادركه اي منهما: حب خالد. نرى حب بابجينو وحبيبته والحب الراقي لتامينو وبامينا والحب المستنير والالهي لساراسترو لكل البشرية. يحيط ويشمل هذ المنظر سحرا غريبا هو سحر الفلوت والمعنويات الصبيانية التي ترشد تماينو وسحر النوتة المشعة للمؤف.


مثل كل الفنانين موتسارت لا يكشف عن ثراءه في الحال. في الغالب يبدو مبهج فقط فاجيال كاملة لم تتوقع اكثر من هذا منه. بالنسبة لاشخاص كثيرة بيتهوفن الثائر هو مؤلف شبابهم حين تكون النار كافية. غالبا وقتها موتسارت هو المؤلف للسن والخبرة حين نفهم انعدام الاتجاه والكبت وندرة العمل المنجز بشكل جيد تتم تقديرها. في هذه المرحلة دائما يقف موسترات الراقي المراوغ الذي لا يضاهى


No comments:

Post a Comment