Wednesday, May 18, 2022

جويام دو ماشو


بعد وفاة بيروتان بستين عاما ولد الرجل الذي يبرز خطا طويلا من المؤلفين الغربيين المشاهير: جويام دو ماشو. مثلما مثل بيروتان الأسلوب البوليفوني القديم الذي أطلق عليه "الفن القديم"، طور ماشو الأسلوب البوليفوني الأكثر تعقيدا والذي جاء في القرن الرابع عشر وأطلق عليه بفخر "الفن الجديد".


جويام دو ماشو


شهد القرن الرابع عشر العمل الأدبي لدانتي، وبوكاشيو وشوسر، والواقعية الثورية للرسام جيوتو. مثلما أهدرت سلطة الكنيسة الكاثولويكية في النزاعات العنيفة بين البابوات، نصب الفنانون اهتمامهم تجاه العالم الدنيوي. الرؤية المستمتعة لمسرات الحياة، مع المأدبات والرقصات بين نافورات الحدائق الحب، استمرت بإصرار خلال فظائع الطاعون الأسود وحرب المائة عام. هذا هو مكان حياة وموسيقى الشاعر والمؤلف الموسيقى جويام دو ماشو.


ولد ماشو زهاء العام 1300 في منطقة شامبين في فرنسا وتلقى تعليما كنسيا وتم ترسيمه قسًا. على مدى سنوات عمل سكرتيرا في حاشية الملك جون ملك بوهيميا؛ كما عمل في منازل النبلاء بمن فيهم ملك فرنسا المستقبلي تشارلز الخامس. هؤلاء النبلاء والرجال المثقفين بالإضافة للمحاربين، على الأرجح اعتبروه مؤلفًا موسيقيًا وشاعرًا بدلا من موظف في البلاط وسكرتير. وبعد أن اصطحب ماشو الملك جون في عدة حملات عسكرية، توفى الملك في معركة كريشي المدمرة في عام 1346، محققا مصيره الفرساني بتولي المسئولية رغم فقدانه للبصر. استقر ماشو من أسفاره في ريمز، حيث ظل كرجل دين حتى وفاته في عام 1377. في مرحلة نضجه اعترفت كل أوروبا به كمؤلف موسيقي رائد في العصر؛ حيث قدم الموسيقى والشعر في أعظم البلاطات الملكية في عصره.


في هذا القرن أشهر أعماله هو "قداس نوتردام"، أحد أول الألحان البوليفونية للقداس الكاثوليكي. (القداس مثل القداس العادي في كل صلاة، الأقسام تعرف بالكيري وجلوريا وكريدو وسنكتاس وارحمني يا إلهي). في التسجيلات الحديثة لقداس نوتردام، نسمع صوت الفن الجديد، وهو أقل قدما لآذاننا من بيروتان، لكن ما زال هزيلا وحرا به هارموني غير متوقع واللحن الذي أصقله مؤلفو البوليفونية اللاحقون. ومع ذلك ثمة شيء مألوف بشأن هذا الصوت أيضا، في الهارمونيات الغريبة واللحن المبهم (الذي يعتمد على أنماط الكنيسة) لا يماثل شيئا مثل حرية وعدم توقع موسيقى القرن العشرين. في كلتا الحالتين، القديم والجديد، يمكن التوجه إلى هذه الموسيقى بحس المغامرة والانتعاش بعد الأصوات المألوفة للبرنامج الموسيقي المعتاد.


رغم أن "القداس" أشهر أعماله، كان قلب ماشو يظهر في موسيقاه الدنيوية، حيث أظهر عالم التروفير في العصر البوليفوني. توجد صورة ساحرة في إحدى المسودات الواضحة بثراء في العصور الوسطى لأعمال ماشو: المؤلف الموسيقي في مكتبه يزوره ملاك الحب، الذي يعرفه على ثلاث سيدات جميلات يطلق عليهم أسماء الأفكار الرائعة والبهجة والأمل. في حياته وموسيقاه، جسد ماشو عالم الفروسية والحب.

  

يسجل التاريخ أنه أثناء فترة الستينات من عمره، قرب نهاية حياته، وقع المؤلف في حب فتاة جميلة في سن 19، وغازلها في الرسائل والأشعار والأغنيات، وأحبته بدورها. غنى في إحدى رسالاته إليها قائلا: “أرسل إليك كتاب "مورفياس" ويطلقوا عليه اسم "نافورة الحب"، حيث ألفت أغنية إليك وأقسم أنه مر وقتا طويلا منذ قمت بعمل جيد يرضيني؛ المطربون التينور صوتهم جميل – وأيضا أرسل إليك بالاد، كتبته قبل أن أعجب بك: فأنا شعرت بأني جرحت قليلا بسبب بعض الكلمات التي سمعتها؛ لكن بمجرد أن رأيت صورتك شفيت وتخلصت من حزني". كل شيء قد تغير من عصره لعصرنا لكن الحب بقى كما هو.

لم يلخص ماشو فقط عالم الفروسية الذي سرعان ما مضى، لكنه أيضا عبر في جميع العصور عن الاشتياق ومسرات الرومانسية. العديد من الأغاني الغرامية، في جميع القوالب الشعرية/الموسيقية لهذا العصر، مزهرة وذات شكل محدد في اللغة، لكن أيضا مبهجة في ألحانها الموسيقية. أغنية "السيدة الجميلة" تقول: “يا سيدتي الجميلة، من أجل الله لا تعتقدين أن أي امرأة تسيطر علىّ عداكِ. فدائما دون خداع عبدتك بتواضح طوال أيام حياتي دون أي فكرة وضيعة. يا إلهي! أنا فقدت الأمل والمساعدة؛ وهكذا انتهت سعادتي، ما لم تشفقين علىّ" وإلى آخره. غالبًا ما اتبع ماشو التقنية البوليفونية لهذا العصر حيث يكون لكل صوت قصيدته الخاصة به؛ في هذه الأعمال متعددة النصوص يخلق/يبتكر علاقات متداخلة رفيعة من اللحن والصوت ضمن الكلمات. أجاد الألعاب الفنية المطورة حديثا للبوليفونية، مثل كتابة الاتباع. في الوقت نفسه أنتج بعض أروع الألحان المنوفونية للعصر.

No comments:

Post a Comment