Wednesday, August 3, 2022

copland

 

اشتهر آرون كوبلاند بسبب أعماله للباليه الذي يرفع المعنويات والمقطوعات الوطنية في الثلاثينات والأربعينات. وهذه بالتأكيد ضمن أكثر الأعمال المتميزة في عصرها خاصة حين تضع في الاعتبار أن أغاني ورقصات رعاة البقر كتبها مؤلف من نيويورك له خلفية روسية يهودية. مع ذلك، يعد أمرا خاطئا اعتبار أعمال مثل "بيلي الصبي" و"روديو" و"الربيع الأبالاشي" بمعزلٍ عن باقي أعماله. رغم أن هذه الأعمال من روائعه بلا شك، هي مجرد جانب واحد من فنان تحليلي مستطلع يبحث دائما عن تحدي جديد.


تم وضع ثمار استقلال كوبلاند في سنوات دراسته، وهي فترة كانت الموسيقى الأمريكية فيها إقليمية. ليعكس كيفية ترسخ الأمور وقتها، كان كوبلاند معجبًا بأن يسرد كيف أن مدرسه روبن جولدمارك مدرس محافظ لمادة التأليف الموسيقي، ذات مرة رآه ينظر لنوتة موسيقية لعمل كتبه تشارلز آيفز بعنوان "سوناتا كونكورد" وحظره ألا يلوث ذوقه بهذه الأشياء. لحسن الحظ أنه اتبع نصيحة صديق له وجمع مدخراته وتوجه إلى باريس ملاذ الثورة الفنية من جويس إلى همنجواي ومن بيكاسو لسترافنسكي.


حين وصل كوبلاند شرع في الالتحاق بالمدرسة الجديدة للأمريكان في فونتين بلو حيث تلقى دروسًا على يد ناديا بولانجيه المرأة الرائدة التي دربت جيلًا كاملًا من المؤلفين الأمريكان الناشئين بين الحربين العالميتين. كانت دراسته لمدة أربع سنوات مع بولانجيه (21-25) أهم تجربة موسيقية في حياته: فقد عرّفته على عددٍ متنوع وهائل من التأثيرات الموسيقية وعلمته عن مزايا الوضوح والانضباط كما مهدت له أساسا فنيا صلبا ومعرفة عميقة بالتوزيع الأوركسترالي. اتجاه سترافنسكي للكلاسيكية الجديدة ترك أثرًا قويًا عليه، مثلما فعلت موسيقى مجموعة الستة والصوت الجديد لموسيقى الجاز الذي اجتاح أوروبا وقتها. لم ينظر كوبلاند للوراء قط. ولدى عودته لنيويورك عام 1925 قرر أن يصوغ موسيقى أمريكية مميزة، وهو مشروع يخلو من الجدال في العالم الضيق للموسيقى الأمريكية المعاصرة. وحقيقة أن معظم موسيقاه تباعًا كانت محددة في الخيال الشائع أمريكي مما ضمن له النجاح. لكن كوبلاند اهتم بالموسيقى الأمريكية بشكلٍ عام وحاول دون كلل أن ينال الشهرة العالمية.


في مشوار فني طويل ومثمر خاض كوبلاند أربع مراحل مميزة بشدة: مرحلة الجاز الأولى من 1925 حتى 1929 (على سبيل المثال "موسيقى المسرح" و"كونشرتو البيانو")؛ وفترة طليعية من 30 إلى 36 (على سبيل المثال "تنويعات البيانو")؛ ومرحلة "أمريكانا" من 36 – 49؛ وعودة نهائية لمرحلة صعبة من الموسيقى التسلسلية (في أعمال مثل "فانتازيا البيانو"). مع ذلك رغم هذه التغيرات الأسلوبية الفجائية ثمة صوت مميز لكوبلاند، وهو صوت يتم تحديده أساسًا بقدراته العبقرية كموزع. المؤلف الموسيقي الأمريكي فيرجيل تومسون وصف التوزيع الأوركسترالي لكوبلاند بأنه "بسيط وملون وخيالي بعمق ومسرحي" وشفافيته هي العامل الرئيسي – حتى وسط الأنسجة الحافلة كل شيء واضح. علمته بولانجيه مهارة "إبعاد الآلات عن بعضها"، وهي مهارة جمع معها مهارة جعل كل جزء من الأوركسترا يعبر عن "فكرته التعبيرية" مما يعطي دلالة عاطفية محددة للدراما الواضحة للمقطوعة.


كان كوبلاند أيضا أستاذًا في الإيقاع. الطاقة العصبية لموسيقاه الأوركسترالية تعتمد بشدة على الرقص وإيقاعات المارش، مزينة بإيقاعات الجاز، لكن في الطرف الآخر من قوس القزح يمكنه إضفاء مؤثرات معقدة شبيهة بالحلم، مثل الخادمة البطيئة لسوناتا البيانو. الهارموني لم يكن أقل تعبيرية وأناقة. مرارا وتكرارا وجد كوبلاند سياقات جديدة للفواصل التقليدية والكورد المألوف، يوقعها بشكل غير متوقع في فقرات غير متآلفة، مما جعلها تبدو جديدة.

No comments:

Post a Comment